من يسمع ويقرأ كلمات التأبين والإشادة التي تقال بحق المرحوم رفيق الحريري يخيل إليه أن الحريري كان قديساً وانه اغتيل لهذا السبب, التقييم الواقعي يقول إنه كما أن للحريري محاسن ومواقف مشرفة وخصوصا في فترة ما قبل اغتياله، فإن عليه في المقابل مؤاخذات وانتقادات.

تصوير الأمر على أن الحريري كان ضد الوصاية السورية وانه لهذا السبب تم اغتياله من قبل السوريين لا شك أنه مغالطة، فالكل يعرف أن الحريري ما كان ليستمر كرئىس وزراء هذه الفترة كلها- منذ ما بعد اتفاق الطائف وحتى قبل فترة قصيرة من اغتياله- لولا الضوء الأخضر السوري, باطلالة سريعة على عهد الوصاية السورية على لبنان من بعد اتفاق الطائف يمكن بسهولة إدراك أن الحريري كان عراب هذه الوصاية بامتياز.

هناك جملة أسباب أدت إلى القطيعة بين الحريري والنظام السوري، وهذه القطيعة بالتأكيد تتعدى مجرد الخلاف على التمديد للرئىس لحود, من يسترجع ما تكشف من مجريات أحداث ما قبل الاغتيال يتضح له أن القطيعة كانت من قبل السوريين الذين لم يكونوا مرتاحين لبعض مواقف الحريري، وان الحريري رغم الجفاء السوري كان راغبا في أن تستمر علاقة الود بينه وبين النظام السوري، ولا أدل على ذلك مما كشفه بريماكوف من أن الحريري طلب منه التوسط لدى دمشق، لكي يتسنى له مقابلة بشار الأسد.

إذا تجاوزنا الشعارات التي يطلقها وليد بك جنبلاط وغيره من السياسيين الذين يهاجمون عهد الوصاية السورية وهم الذين كانوا يمكثون في دمشق أكثر مما يوجدون في بيروت ويأكلون على الموائد السورية أكثر مما يأكلون في بيوتهم، فإن المراقب الحاذق يدرك ان انقلاب جنبلاط ورفاقه ورفع قميص الحريري لم يكن بدافع المبادئ، ولكن ربما لقراءة سياسية تقول إن الكفة لن تكون مع سورية في المرحلة المقبلة في ظل الاستهداف الأميركي، وبالتالي، فإن جنبلاط الذي تعود القفز من شجرة إلى أخرى وجد أن الشجرة السورية أصبحت يابسة ولذا أراد القفز إلى شجرة مثمرة وارفة الظلال.

الوجود السوري في لبنان كانت له باتفاق اللبنانيين فوائد كثيرة، ولكن السوريين ارتكبوا في المقابل أخطاء شنيعة جعلتهم مكروهين من قبل شريحة كبيرة من اللبنانيين، ولكن يبقى السؤال المحير: هل من ضمن الأخطاء السورية الكثيرة اغتيال الحريري؟ إذا كان السوريون هم من فعل ذلك فإنهم يكونون في منتهى الغباء السياسي، وبالتالي يكونون قد حفروا قبرهم بيدهم، لأن أميركا لم تكن لتفوت هكذا فرصة, ومع ذلك، ورغم ان هناك الكثير من المعطيات التي ترجح أن تكون «جهة» سورية هي من أقدم على ذلك فإن الاحتمالات الاخرى تظل مفتوحة وربما تتكشف الامور عن أمور لم تكن «لا على البال ولا على الخاطر», من يعرف حراك الساحة اللبنانية يعرف ان ما يظهر إلى السطح لا يشكل إلا جزءا بسيطا من حقيقة ما يجري، ومن له إلمام ولو بسيطا بالسياسة يدرك أن ما يجري في لبنان هذه الأيام من متاجرة بدم الحريري لا يمكن عزله عما يحدث في المنطقة ككل.

مصادر
الرأي العام (الكويت)