إصرار البعض على أن مشكلة سورية مع الإدارة الأمريكية هي ملامح أزمة أمريكية، وليست موضوعا خاصا يطرح اليوم ضرورة إعادة الأسئلة حول ما يمكن أن يحدث في سورية، على الأخص أن المفاوضات بين دمشق وميلس تدخل مراحل العد العكسي. وربما تكون الانطباعات الخاصة لبعض ما جرى في مؤتمر بروكسل "محور من اجل السلام" مدخلا لمعرفة بعض التطورات التي ترسمها مجموعة تيارات مدنية وسياسية، اجتمعت في بروكسل لتشكل موقفا أساسيا، معتبرة أن الحرب سمة ستترافق مع استراتيجية المحافظين الجدد، وأن الولايات المتحدة لا تخلق فقط أزمة دولية، بل أيضا أزمتها الخاصة على الصعييدين الاقتصادي والسياسي.

وبغض النظر عن تفاصيل التحضيرات للمؤتمر وما رافقه من ردود دبلوماسية حاولت الضغط عليه، ليس بسبب بيانه الختامي، إنما لشكله الذي استطاع أن يجمع في جغرافية واحدة مجموعة فكرية وسياسية لها رؤيتها لنظام دولي يتشكل اليوم وسط أزمة في الرؤية استراتيجية للولايات المتحدة.

وحتى إذا استثنينا المشاركين السورييين، وأوراق عملهم التي تناولت المسألة السورية، فإن الموضوع السوري كان حاضرا كدليل أو مؤشر على حجم المشاكل التي تخلفها استراتيجية الادارة الأمريكية في تعاملها الدولي اليوم. وهذا الأمر ربما لا يمنح دمشق معنويات عالية لأنها يؤكد الخطر، وأكثر من ذلك فإنه يوحي بأن الأزمة مهما تفاقمت فإنها في النهاية سترتد بشكل أو بآخر على سورية حتى ولو كان الأمر مرتبط بأزمة نظام دولي.

عمليا فإن الموقف السياسي لم يعد يشكل في هذه اللحظة أي فرق يذكر على مستوى إدارة الأزمة، على الأخص إذا اعتبرنا أن الموضوع السوري هو "خطوة" أو "مؤشر" في الأزمة الدولية. في المقابل فإن سورية لا يمكنها أن تتعامل مع سرعة التطورات وكأنه قدر قادم لا يمكنها تحليله أو مجابهته والخروج بأقل الخسائر.

ووسط هذا التشايك ما بين الوضع الإقليمي والدولي فربما علينا خلق رابط "وهمي" بين مؤتمر "محور من أجل السلام" وما ستواجهه سورية على امتداد الأيام القادمة:

- إن التعامل مع التحقيق ضرورة لكنه في نفس الوقت لن يكون الآلية الوحيدة لتجنب أخطار المواجهة أو التهديد بالعزلة على حد تعبير الولايات المتحدة.

- داخليا فإن التشابك وردود الأفعال السريعة ستسرع من الأزمة ولن تكون مجالا للحد من الأخطار. فتحويل الموضوع اليوم إلى انتقادات لخطاب الرئيس السوري هو نوع من الهروب، أو أنه محاولة لخلق مجال آمن لبعض التيارات التي لا تملك منافذ اجتماعية بقدر امتلاكها لاتصالات عبر الإنترنيت.

- رسميا فإن الدولة معنية أولا وأخيرا برفع سوية الأزمة وجعلها في المجال العام، وهذا الأمر ربما يحتاج لآليات جديدة تعطي أدوار للجميع بغض النظر عن الجدل السائد اليوم حول المواضيع القديمة في الديمقراطية أو إجراءات الإصلاح السياسية. لأن إعطاء الأدوار هو المعبر الحقيقي عن وطنية التيارات السياسية والاجتماعية والثقافية.

مؤتمر بروكسل لم يكن ذلك الحدث الخارق في مواجهة الضغوط الدولية على سورية، ولن يكون هناك أي حدث آخر يمكنه المجابهة باستثناء التعامل بمشروع وطني جدي يلغي من ذاكرته جملة المشاحنات، ثم ينتقل إلى المستقبل.