نبيه عويدات /موقع الجولان

ما حدث في قرية الغجر السورية المحتلة يوم أمس كان حرباً بكل معنى الكلمة..
وجبهة القتال كانت الشارع الرئيسي الذي يقسم القرية قسمين: شمالي وجنوبي. لقد كانت معركة مجنونة لم يحسب بها أحد حساباً لحياة المواطنين العزل وسلامتهم، فقصفت منازلهم واحتجز أطفالهم ساعات طويلة في ملجأ المدرسة، دون طعام أو ضوء، بينما استباحت الدبابات الإسرائيلية شوارعهم، محطمة كل ما اعترض طريقها من سيارات وغيرها...

إنهم مواطنون سوريون لا حول لهم ولا قوة.. ولا سند.. فمن يسأل، ومن يهتم!

ما حدث في قرية الغجر السورية المحتلة يوم أمس سيبقى ذكرى مخيفة في ذاكرة أبناء القرية، وفي مخيلة أبناء قرية عين قنية المطلة، الذين شاهدوا المعركة من فوق.
وما شاهدوه كان مخيفاً، لدرجة أن الكثير منهم روعهم ما رأوه، فدخلوا بيوتهم..
لأنه لم تكن لديهم القدرة على متابعة المشهد...

لكن أحداً في العالم لن يعرف الحقيقة، والشعب السوري خاصة لن يعرف ما جرى لمواطنيه من قرية الغجر المحتلة يوم أمس! نعم، لن يعرفوا.. فوسائل الإعلام اللبنانية والإسرائيلية كانت تتبادل الاتهامات عمن خرق وقف إطلاق النار.. أما أهالي قرية الغجر فهم ليسو لبنانيين ولا إسرائيليين.. فما علاقة هؤلاء بسلامة سكان الغجر؟! ولماذا يتحدثون عنهم أصلاً؟! ومن يهمه أن مواطنين قد جرحا؟! وأن 350 طفلاً محتجزين في مبنى المدرسة؟!

فوسائل الإعلام السورية، وللأسف الشديد، لا تملك مراسلين في الجولان المحتل، ووسائل الإعلام السورية لا تغطي الأحداث في الجولان المحتل، وإنما تنقل الأخبار والأحداث عن وسائل الإعلام العربية والعالمية. فكيف سيعرف المواطن السوري الجولان، وكيف سيعيش آلامه وآماله، إذا كان يرى المشهد بأعين غريبة؟ لكي يدخل الجولان إلى عقول وقلوب السوريين فمن الضروري أن يشاهدوه بعيون سورية، وكما يقول المثل الشعبي العربي: "ما يحنّ على العود غير قشره".

يوم أمس عملت على تغطية "معركة الغجر"، وذلك من خلال عملي كصحفي في موقع الجولان الإلكتروني، فسافرت مع بدء الاشتباكات إلى قرية عين قنية، المطلة على قرية الغجر، ووقفت مع بعض المواطنين المذهولين على سطح أحد المنازل، وقد احتمينا بالمضلات من المطر الغزير.. وعين على الكاميرا وأذن على الهاتف، نحاول معرفة ما يحدث بداخل الغجر... كنا نشاهد ما يحدث لإخوتنا في الغجر بأعين سورية، وقلوب سورية يعتصرها الألم والخوف على مصيرهم- على مصير 350 طفلاً سورياً محاصرين داخل مبنى المدرسة، والقذائف تتطاير فوقهم.. ودعاء امرأة "عيقانية"، سورية، كانت تقف بجانبي: "يا رب.. ألله يسلمهم!".

وأنا أقف هناك انهمرت علي الاتصالات من وسائل الإعلام العربية والإسرائيلية!!
يطلبون المزيد من المعلومات عما يحدث في الغجر. كانوا يطلبون مني أن أؤمن لهم اتصالاً هاتفياً إلى داخل القرية. لكن اتصالاً واحداً كنت أتمنى أن أتلقاه لم يصل.. كنت أتمنى أن أتلقى اتصالاً من التلفزيون السوري، يطلب نقل المشهد المروع للمواطنين السوريين.. أو اتصالاً من الإذاعة السورية، ربما لتُسمِع صرخة امرأة غجرية تنادي "وا معتصماه"!!!

الجولان أرض سورية محتلة منذ أكثر من 38 عاماً، يعرفها السوريون، كما باقي العالم، وكأنها مجرد قطعة أرض استراتيجية من الناحية العسكرية، لكنهم جميعاً نسوا أن أناساً يعيشون هنا، جبلت دماؤهم وعرقهم بتراب هذه الأرض المقدسة، لهم حياتهم اليومية وهموم وآلام بشرية.. وأحلام تنتظر التحقق.. فمن سينقل هذه المشاعر والأحاسيس إلى السوريين أولاً.. ومن خلالهم للعالم؟ ألا يقول المنطق بأن وسائل الإعلام السورية يجب أن تكون مصدر المعلومات لما يحدث هنا.. وأن تنقل عنها جميع وسائل الإعلام الأخرى، عربية وأجنبية، الأحداث!؟