عبد الباري عطوان /القدس العربي

الرئيس الامريكي جورج بوش هو اخطر رجل في العالم، ويتزعم عصابة من الاشرار تقدم نموذجا مرعبا في كيفية التدمير وقتل الابرياء، وتفكيك الدول، والاستخدام البشع لارهاب الدولة، ونطالب بوقفة عالمية للتصدي له قبل فوات الأوان.

الحرب الدموية التي تشنها قواته في العراق، وفاق عدد ضحاياها المئة الف شهيد هي احد الامثلة، وما كشفته صحيفة الديلي ميرور البريطانية واسعة الانتشار (3 ملايين نسخة) عن عزمه قصف قناة الجزيرة الفضائية ومكاتبها بالصواريخ لانها قدمت جزءا من الحقيقة عن مجازر قواته في الفلوجة هو مثال آخر.

الرئيس بوش، وكما كشفت الصحيفة، نقلا عن محضر لقائه مع حليفه توني بلير، كان يريد تدمير مقر قناة الجزيرة فوق رؤوس العاملين فيه، وهم جميعا من الزملاء والزميلات الذين يمثلون نخبة من خيرة الصحافيين والاعلاميين من مختلف الاقطار العربية.

وبمعني آخر كان الرئيس بوش يخطط لقصف مبني الجزيرة المتواضع، الذي وصفه الرئيس حسني مبارك بانه علبة كبريت بصواريخ كروز، ويرتكب مجزرة ، تماما مثلما قصف مكاتبها في كابول وبغداد وقتل زميلنا طارق ايوب ورمّل زوجته ويتم اطفاله.

انها حلقة جديدة من حلقات ارهاب الاعلام العربي الشريف، الذي يرفض الانخراط في عمليات التضليل والكذب، ويرفض احتلال بلد عربي، ويصمت علي تفتيته وطمس هويته، وتدمير بناه العلمية، وتجهيل اجياله المقبلة.

فالحروب الدائـــــرة حاليا في العـــــراق وافغانستان وفلسطين، حروب تقوم علي الكذب والتضليل، واي اعلام عربي يقول بغير ذلك، ويحاول ان يكشف عن الحد الادني من الحقيقة هو اعلام يجب ان يقصف ويجرّم، ويتهــم بكل التـــهم ابتداء من تأييد الارهاب وانتهاء بمعاداة السامية.

كل الاحاديث عن الحريات الديمقراطية والاصلاحات السياسية التي تتردد علي السنة المسؤولين في الادارة الامريكية الحالية تنطوي علي اكاذيب مفضوحة، فمن يقدس حرية التعبير لا يخطط لقصف محطة فضائية في دولة صديقة حليفة، ومن يطالب باحترام حقوق الانسان، لا يعطي الحق لرجالاته لممارسة التعذيب في سجن ابو غريب، وينصب حكومة تقيم المعتقلات السرية، وتعذب معارضيها حرقا حتي الموت. ومن يعارض استخدام الاسلحة الكيماوية، ويستخدمها ذريعة لغزو بلد واحتلاله، لا يستخدم الفوسفور الابيض، وهو مادة كيماوية حارقة، ضد المدافعين عن بلدهم وكرامتهم في الفلوجة.

الاعلام العربي المتمسك بثوابته الانسانية والاخلاقية علي قلته، ويحاول محاكاة نظيره الغربي في الموضوعية والمهنية والرأي الحر، يواجه الارهاب باشكال متعددة. فمن ينجو من القصف الجوي في كابول او بغداد، لن ينجو من تهم ملفقة بالانتماء الي القاعدة او مساندة الارهاب تقوده الي السجن لسبع سنوات مثلما حدث للزميل تيسير علوني.

واذا كان الرئيس بوش خطط لقصف الجزيرة بالصواريخ وازالتها من الخريطة، فان حليفه توني بلير يستعد لقصف الاعلام العربي، او ما تبقي منه في لندن بسلسلة من القوانين العالمثالثية، تنهي مساحة الحرية، والرئة الوحيدة الباقية لحرية التعبير امام الهاربين من ظلم انظمة القهر العربية. فمساندة المقــــاومة، ووفــــق القوانين الجــــديدة تعتبر تحريضا علي الارهاب، والحديث عن مجــــازر الاحتلال الاسرائــــيلي تبرير للعمليات الاستشهادية، والقول بان الفلسطينيين لا يملكون غير اجسادهم للتضحية بها في مواجهة عدو جبار ظالم فاجر هو تمجيد للارهاب.

باتت مساحة الحرية المتاحة لنا كإعلاميين عرب ان نمجد الاحتلال الامريكي ونركع للرئيس بوش شاكرين حامدين فضله لانه غزا العراق وحوله الي دولة فاشلة تسودها الفوضي والارهاب، وقتلت قواته مئة الف من اهلها الابرياء الصابرين، وسلمتهم الي حكومة من اللصوص وناهبي الثروات. واذا لم نفعل ذلك فنحن نتبني الارهاب ونروج له، ونرفض نعمة الديمقراطية الامريكية التي تتجلي في احلي صورها في العراق الجديد.

الادارة الامريكية انفقت مليار ونصف المليار دولار علي شراء ذمم اعلاميين، وتمويل حملات علاقات عامة، وتمويل محطات فضائية واذاعية، بعضها امريكي ناطق بالعربية (الحرة وسوا)، وبعضها عربي الاسم بلكنة امريكية اكثر خطورة، سواء كان هذا التمويل بشكل مباشر، او عبر حملات اعلانية تتغني بمزايا الاحتلال الامريكي للعراق، والديمقراطية العظيمة التي قدموها لهذا البلد واهله. وعندما عجزوا عن كسب قلوب العرب وعقولهم، لجأوا الي الاسلوب الأمضي الذي يجيدونه، وهو القصف، تماما مثلما فعلوا بالصحافيين الاسبان ومراسلي رويترز في فندق فلسطين. انهم يريدون قتل الرسول والرسالة.
هذا الارهاب السافر لن يرهبنا، ولن يرهب كل الشرفاء في محطة الجزيرة وكل المنابر والمحطات الفضائية العربية، الذين يناضلون بشجاعة من اجل ايصال الحقيقة، او ما تيسر منها، الي كل الباحثين عنها في وطننا العربي وخارجه، رغم الضغوط الشرسة في هذا الاطار.
سنظل، ونحن من المستهدفين، في خندق هذه الأمة وثوابتها العربية والاسلامية، اوفياء لقيم الحق والعدالة، ملتزمين بأهم واجبات الكاتب الصحافي ومفردات رسالته في الانحياز الي المظلومين المضطهدين، واشهار كلمة حق في وجه امبراطور امريكي فاجر، ونعد بان الارهاب، بشقيه الامريكي والعربي، لن يزحزحنا مليمترا واحدا عن موقفنا هذا، رغم ادراكنا مسبقا، لخطورة هذا الموقف، وخطورة تبعاته، والنتائج التي يمكن ان تترتب عليه، والثمن الذي يمكن ان ندفعه.
لقد ادي توني بلير خدمة جليلة الي الرئيس بوش عندما منعه من ارتكاب مجزرة الجزيرة ، ولعلها الخدمة الاهم التي قدمها له ولبلاده في هذا الصدد، فقد انقذ بهذا الموقف زميلات وزملاء لنا كانوا يؤدون واجبهم، ويواصلون رسالتهم الاعلامية بأعلي قدر من المهنية. والمأمول ان يكمل السيد بلير جميله ويوافق علي نشر الوثيقة محضر جلسته مع الرئيس بوش التي ناقشا فيها قصف محطة الجزيرة ، انصافا للتاريخ وفضح هذه العقلية الدموية المريضة للرئيس الامريكي.

سنظل نضع ايدينا علي قلوبنا، طوال السنوات الاربع المقبلة خوفا وقلقا، حتي يخرج الرئيس بوش وعصابته من البيت الابيض لان رجلا مثله، وفي مواصفاته لن يتورع عن ارتكاب مجازر وحماقات اكثر خطورة، فمن يقول ان الرب امره بخوض حرب ضد افغانستان ففعل، وبغزو العراق فاستجاب، يحتاج الي فحص قواه العقلية قبل ان يدمر العالم بأسره. انه خطر علي امريكا قبل ان يكون خطرا علي العالم.