حياة الحويك عطية/الدستور

في مقدمة الجزء الرابع من مذكرات مناحيم بيغن التي تحمل عنوان ’’ ثورة ا سرائيل ’’ يقول الرجل الذي قاد الارغون منذ بولونيا : ’’ ان ثورة اسرائيل هي ايضا واكثر من اي شيء تاريخ الحرب الثورية ، ذلك ان زعماء الارغون لم ينتظروا ماو تسي تونغ ليستخلصوا قوانين ’’ العمل المدمر ’’ وسيلاحظ القارىء بسرعة ان النظرية الثورية الشهيرة حول المناضل الذي يتطور في حضن الشعب كما يتحرك السمك في الماء كانت في اساس استراتيجية الارغون ’’ قد لا نتفق مع الارهابي الصهيوني على ان ثورة اسرائيل هي تاريخ الحرب الثورية ، لكننا لا بد وان نتفق معه على نظريته حول المناضل السمك الذي لا يعيش ولا ينمو ويتحرك الا في الماء ، وسواء نسبت هذه النظرية اليه ام الى ماوتسي تونغ ، فان شواهد التاريخ الحي هي التي تشكل النسب الحقيقي الدامغ لها ، نسب يكفي انه لم يفتقر الى تجلياته العربية من الجزائر الى فلسطين الى جنوب لبنان الى العراق وهنا نصل الى الراهن الذي يجعلنا نتذكر هذه المقولة وهذا الواقع ، حيث نقيس بها ما يمكن ان يتركه مؤتمر المصالحة العراقية من اثر على المقاومة المسلحة في البلد المحتل . اذ لا يختلف واقع هذه المقاومة عن سواها من حيث ذوبانها في صميم الشعب ، خاصة وانها في ما بين النهرين ليست مقاومة البراري والكهوف كما كان حال جزء من المقاومة الجزائرية وانما هي مقاومة حي القصبة او قطاع غزة او حزب الله في جنوب لبنان . بمعنى ان الحضن الشعبي ليس فقط هو من يمد العمل المقاوم بالعناصر البشرية ، وربما ايضا بجزء من التمويل والتموين ، بل ان الامر يتعدى ذلك الى كونه الحضن الذي يستوعبها ويتخفى عليها ويغطي حركتها ، تماما كما الماء والسمك . مما يجعل عملية انحسار هذا الماء شرطا لاضعافها تدريجيا حتى الخنق الكلي بنسبة تناقص الاوكسيجين والانكشاف وبتقرير هذه المعادلة الواقعية نتبين الخطر الذي يمكن ان تشكله دعاوى المصالحة الوهمية ، اذ ان الامل الوهمي الذي يمكن لها ان تبثه في قلوب الناس ، يجعل ماءهم ينحسر عن السمكة المقاومة تدريجيا ، اذ يصبح التناسب عكسيا بين نمو الامل في الحل السياسي ونمو الدعم للمقاومة وبالتالي نموها او ضعفها هي بذلك لا تكون المصالحة حقيقية وفي مصلحة العراق الا اذا جاءت بعد التحرير ، او على اساس الاتفاق عليه ، بينما لا يكون بث هذا الامل الوهمي في ظل الاحتلال الا في صميم المصلحة الاميركية التي تتمحور الان حول الانسحاب من المدن الى القواعد الجاهزة ، دون انهاء الاحتلال الفعلي للبلاد ، وذاك ما يتطلب تصفية المقاومة ، حيث ان الادارة الاميركية عاجزة سواء على الصعيد الداخلي ام على الصعيد الدولي ام على الصعيد العراقي عن الاستمرار في الاحتلال العسكري كما هي حالها الان ، ومن هنا جاءت دعاوى التهدئة السياسية تلبية لصرخة استغاثة اميركية اكثر منها اي شيء اخر ، حتى ولوتضمنت الصرخة هذه صرخات اخرى عربية ، مصالحها مع الاميركيين اشبه بعقود الباطن التي يفوز بها مستثمروها من الشركات الاميركية والاسرائيلية المقنعة التي تنهب العراق