سركيس نعوم/النهار

الاثنين الماضي اعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي تركه تكتل "ليكود" الذي ساهم في انشائه عام 1973 واعلن في الوقت نفسه اعتزامه تأليف حزب جديد يحمل اسم: المسؤولية الوطنية. نتيجة لذلك صوتت الكنيست على حل نفسها. ووضع ذلك الشعب الاسرائيلي امام حقيقة وحيدة هي ان الانتخابات العامة لن تجرى في موعدها أي خريف السنة المقبلة بل قبل ذلك باشهر وربما اواخر آذار المقبل، وخلال هذه الفترة سيبقى ارييل شارون في موقعه يصرف الاعمال ولكن من دون القدرة على اتخاذ قرارات اساسية وحاسمة في الموضوعات الحيوية او على رسم استراتيجيات جديدة من شأنها قلب موازين كثيرة داخل بلاده.

ما هو معنى خطوة شارون المشار اليها وما هي اسبابها؟

يقول باحث اميركي بارز متابع بدقة للوضع داخل اسرائيل ان شارون بتركه "ليكود" رمى قنبلة سياسية كبيرة "فرطعت" الوضع السياسي القائم في هذه البلاد اي "الستاتيكو" اكثر مما هو "مفرطع". وافسح بذلك في المجال امام الكثير من التكهنات حول مستقبله السياسي ومستقبل الحزب الذي يعتزم انشاءه. علما انه من الناحية التاريخية يلاحظ المراقبون ان تجربة الاحزاب الجديدة المنشقة عن احزاب موجودة وكبيرة وقوية لم تكن ناجحة على وجه الاجمال رغم ان انشاءها كان يتم وسط موجة من التأييد العارم. الا ان ذلك لم يحل لاحقا دون انهيارها او دون فشلها في استقطاب الناخبين او عودتها الى الاحزاب الأم. ومن ابرز التجارب غير الناجحة حزب "رافي" الذي اسسه عام 1965 رئيس الوزراء العمالي المتقاعد ديفيد بن غوريون. طبعا لا يعني ذلك ان تجربة شارون ستلقى المصير نفسه. ذلك ان اسرائيل تشهد للمرة الاولى انشقاق رئيس وزرائها وهو في اوج قوته عن الحزب الذي ينتمي اليه. اما في ما يتعلق بالاسباب التي دفعت شارون الى الانشقاق عن "ليكود" لتأسيس حزب جديد فان الباحث نفسه يعتقد ان ابرزها هو شعور شارون بأن "الماكينة" الاساسية في حزبه التي لا تزال قلقة ومضطربة ومنزعجة من الانسحاب من غزة الذي نفذه خلافا لارادتها قبل اشهر تقيد خطواته السياسية والعملانية وستقيد مستقبلا سياساته او بالاحرى مبادراته السياسية المتعلقة بالفلسطينيين. وهذا الشعور ليس من دون سند على الاطلاق. ذلك ان مجموعة من المتمردين على شارون من داخل حزبه عطلوا ولا يزالون يعملون لتعطيل اقرار الموازنة العامة التي وضعتها حكومته في الكنيست ومنعته من تعيين "ليكوديين" مخلصين له في حكومته قبل اسابيع. فضلا عن معرفته ان اللجنة المركزية لـ"ليكود" تضم بين اعضائها مجموعة من الصقور وان هذه المجموعة ستضع في شكل او في آخر لائحة المرشحين عن الحزب في الانتخابات المقبلة. ويعني ذلك لشارون انه لن يكون قادرا في حال فوزه على تأمين دعم برلماني واسع له وتحديدا دعم للمبادرات السياسية التي قد يختار اتخاذها بعد الانتخابات في الموضوع الفلسطيني.

الى ماذا ستؤدي خطوة شارون "الانشقاقية"؟

الى اصطفاف جديد وربما دراماتيكي داخل الحياة السياسية في اسرائيل. يجيب الباحث الاميركي نفسه، فانقسام الـ"ليكود" من شأنه على الارجح جعل اصطفاف الاحزاب السياسية الاسرائيلية مرآة لمواقف الرأي العام الاسرائيلي او لوجهات نظره حيال الموضوع الاساسي الذي يشغل بال الجميع بل يقلقهم وهو العلاقات مع الفلسطينيين. فحاليا يؤيد نحو ثلثي الاسرائيليين حلا للمشكلة مع الفلسطينيين يقوم على مفهوم دولتين فلسطينية واسرائيلية تعيشان جنبا الى جنب. قسم من هذه النسبة ينتمي الى "ليكود" ويمثله شارون. لكن داخل "ليكود" هناك اختلافات كبيرة وعميقة حول هذا الحل، فضلا عن ان هناك مجموعة قوية داخل "ليكود" مسكونة بالهاجس الامني تعارض قيام دولة فلسطينية. وهي تضم مَن يوصفون بالمتشددين والمفاوضين الاشداء. هذه الانقسامات داخل "ليكود" الى عدم الوضوح في اوساطه حيال هذه القضية المشكلة الحيوية "ميعت" سلطة شارون الى حد كبير فهو مؤمن بانه شخصيا كان وراء اجتذاب التأييد الشعبي الكبير لحزبه الذي مكنه من الفوز باربعين مقعداً في الكنيست في الانتخابات الاخيرة. لكن الناشطين المسؤولين في الحزب يؤمنون بان الفوز المذكور ما كان ليتحقق لولا معارضته (اي "ليكود") سياسة التنازل عن الارض. الا ان كل هذه "الادعاءات" ستكون على المحك الآن او بالاحرى من الآن فصاعدا وخصوصا بعد مسارعة العديد من مؤيدي شارون داخل الحزب الى اعلان تركهم حزبهم معه. ومن هؤلاء ثلاثة عشر نائبا بعضهم من اصحاب الاسماء الكبيرة كايهود اولمرت وزير المال وكتزين ليفني وزير العدل وعلما ان وجوها ليكودية مرموقة كثيرة اخرى غير موجودة في مجلس النواب ستنضم اليه لاحقا بعد تأسيس الحزب الجديد. وفي هذا المجال يشير عدد من استطلاعات الرأي الى ان الدعم الشعبي لـ"ليكود" سيتقلص الى نصف ما هو عليه الآن أو ما كان عليه قبل خطوة شارون الانشقاقية ولا بد ان يؤدي ذلك الى تهميش ما لحزب مسيطر على الحياة الحكومية في اسرائيل مدة 20 سنة من السنوات الـ28 الاخيرة.

اما على الصعيد السياسي فيعتقد الباحث الاميركي المتابع من قرب الاوضاع في اسرائيل ان الحزب الجديد لشارون يمكن ان يحيي خط "الوسط" السياسي فيها الذي احبطته سنوات اربع من الارهاب والعنف. وسيكون شارون بعد الانتخابات المبكرة مرنا كفاية بغية تشكيل تحالفات مع احزاب اسرائيلية اخرى بعضها يميني مثل حزب "شينوي" وبعضها الاخر يساري. وسيساعده في ذلك الاتجاه شبه المؤكد لحزب العمل بقيادته الجديدة (عمير بيرتس) نحو اليسار المعتمد في مقاربته السياسية والانتخابية على الفلسطينيين وعلى السياسة الاقتصادية. اما "ليكود" وفي حال تولى بنيامين نتنياهو زعامته فانه قد ينحو اكثر نحو اليمين في مقاربته لموضوعي الفلسطينيين والاوضاع الاقتصادية، علما ان هناك من يتوقع ان ينافس نتنياهو على زعامة هذا الحزب ست شخصيات ليكودية مهمة بينها وزير الدفاع الحالي شاوول موفاز ووزير الخارجية سيلفان شالوم.

الا ان سؤالين يطرحان نفسهما في حال تكرس الانشقاق الشاروني عن "ليكود" هما: هل ان خطوة شارون محسوبة ام هي مجرد مقامرة؟ وما هي مضاعفات خطوته على السياسة الاميركية؟