بوتين اتصل بالأسد وواشنطن رحّبت والأمم المتحدة تبلغت الاتفاق
المعلم: وافقنا على التحقيق مع 5 مسؤولين أمنيين بعد ضمانات
النهار:

باعلان دمشق موافقتها على استجواب لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري خمسة من المسؤولين الامنيين السوريين في مقر الامم المتحدة في فيينا، يكون رئيس اللجنة القاضي الالماني ديتليف ميليس قد كسر مبدأ الرفض السوري لهذا الاستجواب، بغض النظر عن عدد الذين سيشملهم، أكان اثنين أم ثلاثة أم أربعة. ذلك انه بمجرد انطلاق عملية الاستجواب لن يكون في امكان دمشق بعد ذلك رفض طلب استجواب مزيد من المسؤولين. وبدا ان لجنة التحقيق تريد ان تبدأ من نقطة معينة في التحقيقات المتعلقة بالمسؤولين الامنيين السوريين، من غير ان تكون هناك صفقة او تراجع عن طلب الاستجواب، بل ان ثمة عملية يجب ان تبدأ وأن تأخذ مجراها.

وقد استرعى الانتباه في الاعلان السوري للموافقة على تحديد فيينا مكانا للاستجواب، ان الاتفاق تم مع ميليس على استجواب خمسة مسؤولين أمنيين سوريين وليس ستة كما كانت تقارير صحافية أفادت في وقت سابق، وخصوصا بعد تقديم رئيس اللجنة تقريره الى الامم المتحدة في تشرين الاول الماضي. وهؤلاء الستة الذين وردت اسماؤهم هم رئيس شعبة المخابرات العسكرية اللواء آصف شوكت صهر الرئيس بشار الاسد، والمدير السابق للفرع 251 في ادارة المخابرات أو ما يعرف بالفرع الداخلي اللواء بهجت سليمان، ورئيس جهاز الامن والاستطلاع في القوات السورية التي كانت تتمركز في لبنان العميد رستم غزالة الذي يتولى الآن رئاسة فرع ريف دمشق الذي انشئ عقب خروج القوات السورية من لبنان، والعميد جامع جامع الذي ظل الى جانب غزالة في الفرع الجديد، والعميد عبد الكريم عباس من فرع فلسطين، والعميد ظافر اليوسف المختص بالاتصالات.

ولم تفسر دمشق لماذا سيذهب خمسة مسؤولين امنيين الى فيينا وليس ستة، لكنها اشارت الى ان موعد الاستجواب سيحدد لاحقاً بعد اجراء اتصالات مع ميليس قريباً. ولم يعرف فوراً ما اذا كان شوكت احد المسؤولين الخمسة.

ومع الاتفاق على فيينا مكاناً للاستجواب، من المحتمل ان يصار الى اجراء مواجهة بين المسؤولين الامنيين السوريين وبعض الشهود المحتجزين في قضية الاغتيال.

ومعلوم ان اية مذكرة توقيف في حق اي من المسؤولين الامنيين السوريين، يجب ان تصدر عن السلطات اللبنانية التي ستبلغها الى الانتربول.

السنيورة

وسألت "النهار" رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة عن رأيه في الخطوة السورية، فأجاب: "بالنسبة الينا، ليس لنا اي دور نلعبه لا في المكان ولا في اختيار الشهود، وعندما سئلنا عن رأينا قلنا انه يستحسن الا تكون في لبنان. على كل حال، نحيي المبادرة السورية في التجاوب مع المحقق الدولي".

الموافقة السورية

وفي دمشق، كتب مراسل "النهار" شعبان عبود ان نائب وزير الخارجية السوري وليد المعلم، اعلن الموافقة السورية في بيان خطي خلال مؤتمر صحافي مشترك مع المستشار القانوني لوزارة الخارجية رياض الداودي، جاء فيه:

"شهدت دمشق في الايام القليلة الماضية نشاطا ديبلوماسيا مكثفا تمثل بالزيارات والاتصالات وتبادل الرسائل، ووصل هذا النشاط الى ذروته ليلة (اول من) امس. واستنادا الى ما جاء في خطاب الرئيس بشار الاسد حول التزام سوريا مواصلة التعاون مع لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال المرحوم رفيق الحريري، وفي ضوء التطمينات التي تم نقلها الى سوريا والتي جاءت متفقة مع ما سعت اليه سوريا من ضمانات تحترم السيادة الوطنية وحقوق الافراد، وبعدما درست نتائج اجتماع المستشار القانوني في وزارة الخارجية مع السيد ميليس في برشلونة في 18 الجاري واطلعت على النقاط التي تم الاتفاق عليها بينه وبين السيد ميليس وخاصة في ما يتعلق بضمانات حقوق الافراد التي نصت عليها الاتفاقات والمواثيق الدولية ذات الصلة واحترام الانظمة والقوانين السورية، فقد قررت القيادة ابلاغ السيد ميليس الموافقة على اقتراحه كحل وسط، بأن يكون مكان الاستماع الى الاشخاص السوريين الخمسة المطلوب الاستماع اليهم من قبل اللجنة في مقر الامم المتحدة في فيينا.

وخلال المؤتمر الصحافي سألت "النهار" عن اسم المسؤول السوري الذي اسقط، خصوصا ان تقارير صحافية تداولت ستة اسماء، فاجاب الداودي: "لم يسقط شيء، في الحقيقة وسائل الاعلام عندما تتحدث عن اسماء وعن أعداد، هي ليست مطلعة على الوثائق الرسمية المتبادلة بين اللجنة والحكومة السورية، ولا شيء سقط سهوا ولا شيء عاد سهوا". ورفض اعلان الاسماء لان "هذا الامر يتعلق بسرية التحقيق".

ورفض المعلم اعتبار الموافقة السورية تراجعا عن مواقف دمشق السابقة قائلا: "هذا الموقف هو الموقف السوري وليس تراجعا لانه لم يسبق لاي مسؤول سوري ان اعلن ان سوريا لن تتعاون مع اللجنة الدولية، وثانيا بعد حصولنا على التطمينات اللازمة التي تتفق مع ما طالبت به سوريا لم يعد هناك سوى ان تسود الحكمة وان نتعاون".

وعن طبيعة هذه التطمينات قال الداودي: "الحديث عن بروتوكول تعاون، او عن رسالة ضمانات، او اي شكل آخر من التطمينات التي تفي بالمطلوب، اي تؤكد السيادة الوطنية السورية واحترام القوانين والانظمة السورية وضمان حقوق الافراد المطلوب الاستماع اليهم، وكل هذه الباقة من الضمانات سواء تم التأكيد عليها في بروتوكول او في مذكرة او رسالة او اي نوع من التطيمن الذي يأتي، فالنتيجة واحدة وهذاما تم الحصول عليه، وبالتالي لم يعد من مبرر للتمسك بفكرة مذكرة التعاون، او بروتوكول تعاون والقضية ليست شكلية وانما موضوعية". واضاف: "الضمانات تم الاتفاق عليها، والمعلم اشار الى اجتماع جرى في برشلونة بين ميليس وبيني وتم خلاله الاتفاق على عدد من الاشياء، هذه الاشياء مضمّنة في محضر الاجتماع، وقد تم اعلام الحكومة السورية بأن هذه الاشياء التي تم الاتفاق عليها قائمة ومضمونة".

وعن مسألة الضمانات قال المعلم: "هي نوعان او من مصدرين، مصدر جرى الاتفاق عليه في برشلونة بين الداودي وميليس في محضر اجتماع، والآخر جاء من مصدر دولي. وهي متطابقة، كذلك هناك احد الدول الاعضاء في مجلس الامن".

وعن موعد بدء التحقيق مع الشهود السوريين، قال الداودي: "في ما يتعلق بالموعد سيتم الاتصال مع اللجنة قريبا جدا، وسيتم تحديد مواعيد واتفاق على الاجراءات والمكان وكل ما هو ضروري عمليا لبدء الاستماع الى الاشخاص".

واوضح المعلم انه "بعد الموافقة السورية سيجري الاستماع الى الشهود السوريين، ثم سيعود من استمع اليهم ميليس الى دمشق وفي 15 كانون الاول سيقدم ميليس تقريره الى مجلس الامن وسيذهب محام لكل واحد من الخمسة".

ورفض ان يقول ما اذا كانت ضغوط خارجية قد مورست على سوريا من اجل قبول شروط ميليس، وقال في هذا الصدد: "اولا اذا كان المقصود بالضغوط هو الضغوط السياسية، فهي لم تتوقف ما قبل الجريمة وما بعد الجريمة. اما اذا كان المقصود بالضغوط من اجل كشف الحقيقة، فأؤكد لك ان سوريا هي التي تضغط".

وماذا اذا عاد ميليس الى القول ان سوريا لم تتعاون على رغم الموافقة على الاستجواب في فيينا؟ اجاب: "هذا يرجع الى ضمير السيد ميليس وسوريا لم تتوقف عن التعاون وهذا الموضوع ايضا يتوقف على اعضاء مجلس الامن. نحن مخلصون في تعاوننا، لأننا نسعى الى كشف الحقيقة، واللجنة السورية التي شكلت للتحقيق باشرت عملها، وهي مستمرة وتعطي نتائج عملها لميليس عبر الامم المتحدة".

وعن حقيقة وجود جهود ديبلوماسية عربية للوصول الى هذا الحل قال: "اؤكد لكم ان التضامن العربي الرسمي والشعبي مع سوريا لا حدود له وقد لمسته عندما نقلت رسائل من الرئيس بشار الاسد الى قادة الدول التي زرتها، كذلك هناك جهود خيرة من بعض الاقطار العربية بذلت في سبيل ما تم انجازه، وليس لدينا شك في التضامن العربي مع سوريا، وهنا نؤكد ان سياسة سوريا تلقى قبولا وتلقى دعما في محيطها العربي والاقليمي".

وعن حقيقة الوساطة السعودية قال: "انا اجبت بطريقة غير مباشرة بأن هذه احدى النقاط التي اتفق عليها الداودي مع ميليس في برشلونة في 18 الجاري".

وعما اذا كان ميليس سيستمع الى المسؤولين السوريين بصفة شهود ام مشتبه فيهم، قال الداودي ان مصطلح "مشتبه فيه هو مصطلح قانوني بحت وهو لا يعني الا ان التحقيق يتقدم وقد تكون هناك بعض القرائن تشير الى ان هذا الشخص له علاقة، ولكن تبقى دائما فرضية البراءة قائمة بالكامل، ولا يصل الموضوع ولا يرقى الى اتهام الا بالقرائن". واضاف: "ثم هناك التقرير النهائي الذي يقدمه قاضي التحقيق بعد ان ينتهي من تحقيقاته بمعنى عندما تصل القضية الى قناعة وقناعة مبنية على ادلة قاطعة تقدم الى محكمة عندها يمكن ان يقال ان هذا الشخص قد اصبح متهما وحتى في هذه المرحلة يعتبر الشخص بريئا الى ان يصدر في حقه حكم قضائي. التعبير هو تعبير قانوني، وميليس قال مرات عدة ان مشتبها فيه لا تعني شيئا، وهي حقا في القانون لا تعني شيئا لكنها على الصعيد الشعبي تعني اشياء".

وعن الضمانات وما طالبت به سوريا سابقا من مذكرة تعاون قال الدوادي: "انا قلت ان الشكل لا يعني شيئا، والحقيقة عندما توافرت الضمانات، سوريا اكدت على التعاون، وسوريا مقبلة على التعاون أصلاً. حتى الرئيس بشار الأسد تحدث عن التعاون بشرط ان يكون لمصلحة اكتشاف الحقيقة في الجريمة. وحتى ان وصل التحقيق في مرحلة ما الى الاتهام، نحن لا نزال أمام افتراض البراءة، وسنسعى الى البراءة، وسوريا ليست لها علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالجريمة".

الأسد وبوتين

وتلقى الاسد اتصالاً هاتفياً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "جرى خلاله بحث في الأوضاع السياسية في المنطقة والتعاون السوري مع لجنة التحقيق الدولية".

وجاء في بيان رئاسي نقلته الوكالة العربية السورية للأنباء "سانا" انه "جرى عرض للعلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين سوريا الاتحادية، والتأكيد على استمرار التشاور والتنسيق بينهما في مختلف المجالات وعلى كل المستويات".

الى ذلك، تلقى وزير الخارجية السوري فاروق الشرع اتصالاً من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. وأفادت وكالة "أنباء الشرق الأوسط" المصرية ان "الاتصال تناول مهمة لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري، ودور روسيا كدولة صديقة في هذه القضية باعتبارها رئيس مجلس الأمن لهذا الشهر". وأضافت ان لافروف أشاد خلال الاتصال بموقف سوريا من التعاون مع اللجنة الدولية، مؤكداً تفهم موسكو حرص دمشق على احترام سيادتها الوطنية وانظمتها القضائية.

الجبهة الوطنية

ورأس الأسد في قصر الشعب اجتماعاً للقيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية "وقد تدارست القيادة المركزية الأوضاع السياسية الراهنة والأوضاع على الساحات العربية والاقليمية والدولية. وناقشت القيادة المركزية الأوضاع الداخلية على كل المستويات. وعرضت القيادة المركزية في اجتماعها التعاون السوري مع لجنة التحقيق الدولية، وقد ثمنت القيادة المركزية نهج السيد الرئيس بشار الأسد وجهوده المعبّرة بقوة عن المصالح الوطنية والقومية".

دخل الله

وعن الضمانات التي طالبت بها سوريا، صرح وزير الاعلام السوري مهدي دخل الله لهيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي"، ان من تلك الضمانات عدم الاساءة الى الاشخاص الذين تستمع اليهم لجنة التحقيق، وألا تتم عمليات اعتقال لهم أو شيء من هذا القبيل. وتوقع ان تكشف الحكومة السورية اسماء هؤلاء لاحقاً.

الامم المتحدة

وفي نيويورك، أكدت الناطقة باسم الامم المتحدة ماري اوكابي التوصل الى اتفاق بين دمشق وميليس. وقالت ان رئيس لجنة التحقيق الدولية ابلغ الى الامين العام للمنظمة الدولية كوفي أنان انه توصل الى الاتفاق.

وأضافت: "الأمين العام سعيد جداً بنتائج المناقشات التي أجراها السيد ميليس مع السلطات السورية ويتوقع مواصلة تعاونها الكامل خلال التحقيق الذي يجريه السيد ميليس".

ونفت ان تكون لديها معلومات عن الاشخاص الذين سيستجوبون.

بولتون

كذلك رحب المندوب الاميركي الدائم لدى الامم المتحدة السفير جون بولتون بالاتفاق قائلاً في بيان: "نأمل في ان يتواصل هذا التعاون السوري ويزداد". واعتبر الخطوة السورية "نتيجة مباشرة للقرار الواضح والاجماعي لمجلس الأمن".