مازن بلال
في الوقت الذي كانت فيه الأجهزة الفضائية تحاول تفكيك الشهادة التي قدمها هسام طاهر هسام، ظهرت ردود أفعال النفي المتوقعة أساسا. والمسألة هنا ليست متعلقة بصحة ما قاله "الشاهد" بل بحجم القضية التي تبدو وكأنها نوعا من الخيال الأمريكي على طراز هوليود. وسواء كانت تصريحات هسام للصحافة مفاجأة أو حدثا عاديا لكنها في النهاية تظهر أن الافتراضات كثيرة ليس في قضية اغتيال الحريري، إنما في الوضع السياسي الذي بات يحكم سورية ولبنان منذ حادثة الاغتيال.
شهادة هسام لم تكشف عمليات التدبير المسبقة في قضية الشهود، فهي قبل كل شيء سمحت لإشارات الاستفهام كي تكبر داخل قضية سياسية انتقلت ما بين الخلاف السياسي والثأر الشخصي، ومهما كانت الادعاءات ضد تصريحات هسام لكن الثابت هو أنه شاهد حقيقي وأكيد لدى قضية التحقيق، وهي أيضا توضح أن هناك الكثير من الحقائق المكتومة حتى الآن، مما يوحي أن مسار العلاقات بين سورية ولبنان لا تحكمه فقط تصريحات رئيس الوزراء اللبناني في برشلونه، بل أيضا مساحات إضافية يتم فيها استبدال "الطائف" وعلى الأخص ما يتعلق منه بالعلاقات بين دمشق وبيروت.
وحتى لا نقف عند حدود ما قاله هسام لأنه في النهاية يدخل في مجال قضائي وجنائي، فإن المسألة يبدو أنها بدأت ولم تنته ... بدأت منذ أن غدت لبنان وسورية مساحة مكشوفة استراتيجيا بعد احتلال العراق .. ومنذ أن أصبح خطاب المحافظون الجديد مجالا للحرب بدلا من أن يجعل العالم "أكثر أمانا" … فالحرب الحقيقية ليست في الواقع في شهادات مزورة يمكن التشكيك دائما بها أو الهجوم عليها، أو حتى اعتبارها جزء من الحرب السياسية، فالحرب بدأت في لحظة الافتراق في المنطقة فلم يعد بالإمكان خلق تمايز واضح داخل جغرافية يجتاحها العنف.
سقوط شهادة داخل تقرير ميلس يعني الكثير جنائيا وسياسيا، لكنه لن يوقف مسار الحرب. فما يوقفها بالفعل معرفة طبيعة المواجهة والتعامل معها بالاستفادة مما حدث في العراق أو مما حدث في مناطق أخرى تخاض فيها مواجهة يومية، ولو على المستوى المجتمع والثقافي، ضد خطاب الحرب المستمرة للمحافظين الجدد.