توضيحاً، إن النظر في عمل الأحزاب السياسية ، في الظروف العصيبة التي تواجهها سوريا ، لا يأتي إلاً من باب تحميل هذه الأحزاب المسؤولية الأولى والكبرى ، في الفشل الملحوظ ، وعلى مدى سنين عديدة، في صياغة حراك سياسيّ حقيقيّ صحيّ ، , بحيث تكون هذه الأحزاب من جهة أولى هي الحاضن الوحيد لهذا الحراك السياسيّ ، ومن جهة ثانية أن تكون الوسيط اللائق في الإشراف على تنفيذ عقد الشراكة بين الدولة والمواطن ، حيث تنفذ الحقوق والواجبات في هذا العقد بكل دقة وأمانة.

وإذا كانت العبارة المكيافيلية الشهيرة ( الغاية تبرر الوسيلة ) عبارة مرذولة ، فما الذي يمكن أن يقال حين تكون الوسيلة هي وسيلة اغتيال للغاية . وطبعاً لا يمكن أن يهدف البحث هنا ، عن الأسوأ أو الأقل سوءاً في علاقة الغاية مع الوسيلة ، بل قطعاً يهدف إلى : أولاً كشف المغالطة في هذه العلاقة المقلوبة الأدوار ، التي تتجلّى في واقع عمل الأحزاب السياسية ، وتوضيح العلاقة السليمة الطبيعية والمرجوة .

حين تحدد الأحزاب غايتها أو أهدافها ، وتعطي لهذه الغاية وهذه الأهداف موقع الصدارة في دساتيرها أو وثائقها التأسيسية ، فهذا ليس إلا إقراراً منها أنها ليست أكثر من وسيلة لتحقيق هذه الغاية أو الأهداف المحددة ..... فإذا أجرينا جرداً بسيطاً ، أو رسمنا خطّاً بيانياً يمثل اقتراب أو ابتعاد هذه الأحزاب من تحقيق الغاية أو الأهداف التي حددتها لنفسها طواعية ودون إكراه ، فلربما أصبنا بدهشة شديدة من هذا الجرد ، وعجز عن إمكانية رسم الخط البياني ، لأننا سنجد أن العلاقة مقطوعة بين الأحزاب وأهدافها التي وجدت من أجلها .

فإذا أخذنا ( مثلاً ) هدف الوحدة ، سواء كانت هذه الوحدة عربية أو سورية أو غيرهما ، فهل يشير الخط البياني إلى صعود أم إلى انحدار ؟؟ هل هدف الوحدة يتقدم من خلال عمل هذه الأحزاب أم يتراجع ؟؟ وهل الاستعمار والصهيونية وحدهما مسؤولين عن هذا الانحدار ؟؟ هل كان على الاستعمار والصهيونية أن تساعد في تحقيق الوحدة ؟؟

وقس على ذلك بقية الأهداف ، فستجد أن هذه الأحزاب تفعل كل شيء ما عدا تحقيق أهدافها !!! فما حاجتنا إلى وسائل لا أهداف لها إلا في وثائق التأسيس والدساتير ؟؟

بالمقابل إذا رصدت العمل اليومي لهذه الأحزاب وانشغالاتها الساعيّة ، فما علاقة هذه الأعمال والانشغالات بتلك الأهداف ، ألا تشغلها مشاكلها الداخلية أكثر من أي هدف منصوص عنه في الدستور ؟؟ ألا تشغلها وحدة أجزائها ، أو الخوف من انشقاقها أكثر بألف مرة من أصغر هدف حددته لنفسها ؟؟ كيف تصير وحدة الحزب هدفاً أو يصير انشقاقه هدفاً ، وما قيمة هذه الوحدة أو هذا الانشقاق ، إذا كانت الأهداف خارج خدود التفكير والوعي ؟؟ ألا تأخذ الوحدة حين تكون العلاقة مقطوعة مع الأهداف ، صيغة سلطوية محض ، وألا يأخذ الانشقاق نفس الشكل ؟؟ وأين العيب ، حين يكون المطلب الحقيقي تنفيذ الأهداف فقط ، في أن يتوحد حزب منشق أو ينشق حزب واحد ؟؟ أيهما أفضل : حزب واحد غير منشق ولا علاقة له بالأهداف ، أم حزب منشق أحد أجزائه يسير بهذه الأهداف ؟؟ وما الذي يجعل من هذه المسألة هدفاً بديلاً عن الأهداف الأساسية ؟؟ وإذا كانت الأفكار ملك عام ، فما العيب أن في أن ينفذ عمرو الأهداف إذا كان زيد عاجز عن التنفيذ ؟؟ ألا تأخذ الأهداف قيمتها إلا على يد زيد ؟؟

إن أساس وجود الوسيلة هو أن يكون لها غاية من هذا الوجود ، فإذا استمرت الوسيلة في الوجود واختفت الغاية ، فأية منافع تحققها الوسيلة على حساب الغاية ؟؟ ومن تكون الجهة التي اغتالت الغاية ؟؟