الوطن القطرية- بقلم:محمد ظروف :أمر طبيعي أن يثير الاتفاق الذي توصلت إليه سوريا مع رئيس لجنة التحقيق الدولية باغتيال رفيق الحريري‚ ديتليف ميليس والذي حدد فيينا كمكان لاستجواب المسؤولين السوريين‚ هذا الكم الهائل من الاستنتاجات والقراءات والتحليلات والخلاصات وأن يصل الأمر إلى حد الحديث عن «صفقة ما» أبرمت في اللحظات الأخيرة بين دمشق وواشنطن وهي تتعدى في إطارها لبنان لتمثل العراق وفلسطين وعملية السلام!

ذلك أن الاتفاق يعد انجازا حقيقيا في حد ذاته للدبلوماسية السورية التي دأبت على التحرك الفعال في المحيط العربي ــ الإقليمي‚ فاستطاعت أن تستثمر الموقف العربي وتوظفه في الاتجاه الصحيح!

وقد كان هناك من كان يراهن على عدم تعاون سوريا مع لجنة التحقيق الدولية من أجل فرض عقوبات مبكرة على دمشق‚ لأن هذا الفريق كان يسعى أصلا إلى معاقبة سوريا والانتقام منها وليس الكشف عن حقيقة جريمة اغتيال رفيق الحريري‚

ووجد البعض الآخر في المأزق الذي كان يواجه دمشق فرصة هامة لمساومتها وابتزازها لانتزاع مواقف وتنازلات معينة من القيادة السورية‚ وذلك على إيقاع الزلزال الكبير الذي أخذ يضرب منطقة الشرق الأوسط في أعقاب صدور قرار مجلس الأمن 1559 واغتيال الحريري وانسحاب القوات السورية من لبنان! فالكل كان بانتظار مشاهدة «الانهيار السوري» لأن تجار السياسة كما وصفهم الرئيس بشار الأسد في خطابه الأخير ما كان بمقدورهم التفريق بين «الأخطاء السورية» التي وقعت في لبنان وبين مواقف سوريا الوطنية والقومية الرافضة لمنطق الابتزاز والهيمنة‚ الأمر الذي أوقعهم في شرك الحسابات أو المراهنات الخاطئة‚

والذين يتخوفون الآن من احتمال أن يدفعوا ثمن هذه الأخطاء مرتين قد يجدون أنفسهم خارج دائرة «اللعبة الدولية» في لبنان لأنه يتم عادة التضحية بالأفراد ومصالحهم‚ عندما يكون الأمر متصلا بمصالح الدول‚ وبالذات الدول الكبرى!

وقد سبق لسوريا أن نصحت هؤلاء بعدم التورط في مثل هذه اللعبة‚ لأنها أكبر منهم ومن قدراتهم الذاتية ولكنهم رفضوا كل ما نصحتهم به دمشق‚ وظن البعض منهم أن مرحلة «الانهيار السوري» قد بدأت بالفعل‚ بل إن الوهم دفع بأحدهم إلى ا لترحم على حكم الرئيس بشار الأسد!

ولكن الذي حدث هو أن سوريا أعادت الكرة إلى مرمى هؤلاء‚ الأمر الذي فاجأهم لأن فريقا من اللبنانيين والعرب كان يتوقع ويراهن أن يستمر المأزق مع ميليس حتى الوقت الضائع‚ لتبدأ بعد ذلك رحلة فرض العقوبات والعذابات بالنسبة للشعب السوري‚ ويجري الآن التساؤل بالكثير من المرارة والقلق عن أسرار هذا التحول في موقف ميليس وسبب موافقته على أن تكون فيينا هي المكان المناسب لاستجواب السوريين الخمسة وليس بيروت‚ وكأن هؤلاء يعتبرون أنفسهم أنهم وقعوا في حسابات ومراهنات خاطئة جدا عندما تصوروا أنهم سيطروا على أوراق اللعبة وصار بمقدورهم أن يديروا دفة الرياح في الاتجاه الذي يريدونه!!