النهار -راجح الخوري-إنه هسام طاهر هسام حلاّق الشعر ورجل الاستخبارات الذي سرعان ما سيتحول رجلاً بوجوه عدة او بالأحرى انساناً بشخصيات متعددة.

هذا امر ليس غريبا على عالم الاستخبارات والجاسوسية والعمل وراء خطوط الاعداء، فلقد كان في وسع مخيلة رجل مثل الفريد هيتشكوك ان تسمِّر العالم زمنا امام تشويق من هذا النوع!

ولكننا بصدد البحث عن الحقيقة في جريمة العصر التي أودت بالرئيس الشهيد رفيق الحريري وكانت تهدف الى قتل لبنان. وليس سراً ان كل اللبنانيين يريدون الحقيقة وكل السوريين يعلنون ذلك، وكذلك كل العالم الذي شكل لهذا لجنة تحقيق دولية تحظى بدعم غير محدود من الامم المتحدة والدول العربية كافة.

عملياً نحن امام تقرير اولي وضعه القاضي ديتليف ميليس وشكّل منطلقا للقرار 1636، الذي حمل كثيرا من الاشتباه بعدد من المسؤولين الامنيين السوريين، الذين اتفق بعد جدال استمر اكثر من ثلاثة اسابيع على الاستماع اليهم كمشتبه فيهم في فيينا.

وعملياً نحن امام صاعقة سقطت عشية بدء جلسات الاستماع في فيينا، هي صاعقة هسام، لكن ليس في وسع احد على الاطلاق ان يحدد شخصية واضحة ونهائية لهذا الشاب.

هل هو "الشاهد المقنع" الذي كان له دور مهم في سياق ما قدمه تقرير ميليس؟ هل هو "شاهد الزور" وقد تعرض للترهيب والترغيب كما اعلن في روايته التي تنطوي على كثير من المعلومات المتناقضة والمجافية لأبسط قواعد المنطق؟ ام انه "الشاهد المفخخ" الذي يرى البعض ان دمشق ارسلته بهدف ضرب مسار التحقيق من الداخل؟

ان الاجابة عن هذه الاسئلة الدقيقة لا يكون عملياً بالركون الى التحليل الشخصي والاجتهاد، بل بالذهاب فورا الى حسم رواية هسام عبر وضعه ووضعها امام التحقيق الدولي الذي يملك بالتأكيد وسائل علمية متطورة للتأكد من صدق الشهادات والافادات.

دمشق وضعت هسام في واجهة الترويج الاعلامي لأنه يقول انه تعرض للترهيب والترغيب بهدف إلقاء تهمة جريمة العصر على بعض المسؤولين فيها. هذا الامر، حتى الان وفي الحدود التي وصل اليها، يشكل هجوما اعلاميا وسيكولوجيا مضادا ضد تقرير ميليس، الى درجة ان المستشار القانوني للجنة التحقيق السورية لم يتوان عن الاستنتاج ولو بشيء من التسرّع ان تقرير ميليس ينهار ونُسف عبر ما اعلنه هسام في روايته.

لكن هذا لا يكفي، فمن مصلحة دمشق ان تعطي هذا الهجوم المعاكس بعداً قانونياً عبر لجنة التحقيق الدولية. واذا كان من المثير للانتباه ان هسام لم يَسق اي اتهامات ضد ميليس، فان من مصلحة سوريا الحيوية ان ترسله في اول طائرة الى فيينا وان تطلب من ميليس الاستماع اليه كشاهد دفاع حيوي بعدما كان شاهد اتهام حيوي.

تستحق قصة هسام برغم كل ما اعتورها من عناصر التناقض، حيث بدا عبر روايته سائحا سعيدا في لبنان بعدما كان موضع اضطهاد وتعذيب واغراء وبالملايين، وهذا امر محيّر فعلا إلا اذا كان الذين ارهبوه واغروه اغبياء ومن وراء الكون، تستحق ان توضع كمخرز في عين التحقيق الدولي وحتى التحقيق اللبناني، الذي يفترض ان يفتح تحقيقا داخل التحقيق، لأن احترام الحقيقة التي يطالب الجميع بها يفرض مثل هذا الامر.

واذا كان ميليس قد انزلق فعلاً على قشور الموز الذي القاها هسام مدفوعاً بالترهيب، كما يقول، فان من واجب دمشق ان ترسل هسام ليدحض التقرير وخصوصاً ان ميليس يصير هنا ضحية مثل هسام وقع في الشرك عينه.

لكن في وسع العلم الحديث واساليب كشف الصدق من الكذب ان تحسم امر هذا الالتباس، الذي جعل من هسام الشاهد المقنع والمزور والمفخخ في الوقت عينه.

ويبقى السؤال: ماذا اذا صدقت الانباء التي تحدثت عن دزينة تقريباً من الشهود الذين هم من نوع هسام؟