النهار-سركيس نعوم-بعد احكام الطوق الدولي عليها وخصوصاً بعد اصدار مجلس الأمن قراره الرقم 1636، وبعد شعورها بأن العالم العربي بمعظم دوله صار قاب قوسين او ادنى من التخلي عنها بسبب غياب اي رغبة جدية عندها في التعاون مع لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وبعد تأكدها ان ذلك كله سيضعها في موقف بالغ الصعوبة عبّر عنه الرئيس بشار الاسد في خطابه الاخير و"الشهير" في آن واحد بقوله انه وبلاده امام خيارين: المقاومة (اي المواجهة) او الفوضى. بعد كل ذلك حركت سوريا ديبلوماسيتها في اتجاه الدول العربية ذات العلاقة الوثيقة مع الولايات المتحدة بغية ايجاد مخرج من الوضع الصعب الذي وجدت نفسها فيه يلبي من جهة متطلبات التعاون مع اللجنة الدولية المذكورة ويسمح لها في الوقت نفسه بتقليص الآثار السلبية لكل ما جرى في لبنان وخصوصا منذ التمديد القسري للرئيس اميل لحود على شعبها وعلى وضعها العربي والدولي وقبل ذلك كله على نظامها. واستجابت هذه الدول وأبرزها مصر والمملكة العربية السعودية وقطر والكويت وربما سلطنة مسقط وعمان. وأجرى مسؤولون كبار فيها محادثات مع نظراء سوريين لهم اطلعوا لاحقا الادارة الاميركية عليها بالطرق الديبلوماسية طبعا. الا ان الجهد الابرز في هذا المجال بذلته مصر والسعودية نظرا الى حجمهما والى قدرتهما على التأثير على الادارة المذكورة.

في هذا الاطار يجب وضع لقاءات القمة التي ضمت الرئيسين بشار الاسد وحسني مبارك حينا في دمشق وحينا آخر في القاهرة او الاسكندرية. ولقاءات المتابعة التي تولاها بعد ذلك مسؤولون كبار، ديبلوماسيون محترفون. وفي الاطار نفسه يجب وضع المشاورات الرفيعة التي قامت بين العاصمتين السورية والسعودية والتي قام بأبرزها الامير بندر بن سلطان بن عبد العزيز والتي ساعد في إنجاحها او بالاحرى في انضاجها وتهيئتها للنجاح العلاقة الخاصة التي توطدت في العقد الماضي بين بندر والسفير السوري في واشنطن وليد المعلم النائب الحالي لوزير الخارجية السوري الذي يعول عليه الحكم في دمشق لتحسين الكثير من العلاقات بين سوريا والخارجين العربي والاميركي. ويبدو من متابعة الاوضاع والتحركات السورية العربية ان الجهود المصرية لايجاد المخرج الذي يؤمن تنفيذ القرار 1636 من دون ان يمس النظام السوري لم تلق الرفض في دمشق. لكنها لم تلق النجاح الكامل ربما لاحجام القيادة السورية عن تنفيذ امور كثيرة كان تم الاتفاق عليها. وعندما لم يجدِ ذلك سوريا نفعا عادت الى العرب من جديد ولكن هذه المرة من البوابة السعودية لا لعدم ثقة منها بمصر وقيادتها ولكن لاقتناعها بان ضم الجهود السعودية الى المصرية من شأنها اقناع المجتمع الدولي وزعيمته اميركا باعطائها فرصة جديدة او ثانية. وما كان هذا الامر ليظهر بجلاء ووضوح لولا مسارعة العاهل السعودي عبدالله بن عبد العزيز للاعلان رسميا عن كونه عراب التفاهم الذي تم بين الحكم السوري ولجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري. وقد فاجأ ذلك الكثيرين من متابعي الاسلوب السعودي في التعاطي مع المشكلات "الاخوية" والاخرى الدولية الذي اتسم دائما بالحذر والتحفظ والتكتم والابتعاد عن التبني العلني لاي مبادرة تقوم بها الرياض لاعتبارات كثيرة لعل اهمها حرصها على عدم مواجهة الفشل في حال اصطدمت بعقبات كثيرة. لكن المفاجأة لم تمنعهم من الاعتقاد ان الاعلان السعودي الرسمي لمبادرة عبدالله بن عبد العزيز وان بعد نجاحها لم يكن اشارة الى تغيير في سياسة المملكة في ظل ملكها الجديد بمقدار ما كان اشارة الى رغبة عندها في الزام اطراف هذه المبادرة وفي مقدمهم سوريا تلافيا لاي تراجع منهم عن الالتزامات التي رتبتها عليهم. وهو تراجع حصل اكثر من مرة في السابق. وايضا بمقدار ما كان اشارة غير مباشرة الى ان التراجع لا بد ان يلزم المملكة باتخاذ موقف اخر قد يكون هو ما يحتاج اليه المجتمع الدولي ومعظم العالم العربي وغالبية اللبنانيين لحسم كل نزاعاته مع سوريا بشار الاسد دفعة واحدة وبوسائل قاسية.

هل التجاوب السوري مع المجتمع الدولي الذي ما كان ليتحقق لولا السعودية ومصر نهائي؟

الظواهر قد تشير الى انه كذلك وخصوصا بعدما اعلنت دمشق اعتزامها ارسال خمسة مسؤولين عسكريين وامنيين الى فيينا كي يحقق معهم القاضي ديتليف ميليس واللجنة الدولية التي يترأس. لكن هناك ظواهر اخرى غير مشجعة في نظر جهات لبنانية وعربية ودولية عدة. ذلك انها تشير الى استمرار الحكم السوري في العمل الجاد لاجهاض التحقيق من خلال افقاده الرصيد والصدقية اللذين كونتهما لجنة التحقيق لنفسها في لبنان والعالم العربي والعالم الأوسع على مدى الاشهر الماضية.

ومن احدى هذه الظواهر بل من ابرزها تبني سوريا الشاهد "التائب" اذا جاز التعبير على هذا النحو السوري هسام طاهر هسام وفتح ابواب الاعلام الرسمي فيها امامه، علما ان كل الاعلام فيها رسمي، لضرب اقتناع المتحمسين لميليس ولاقناع المترددين حياله وحيالها لحسم موقفهم ضده ولتقوية حجة حلفائها من اللبنانيين والعالم المحايد اذا كان لعالم كهذا وجود. اما الظواهر السابقة لذلك فتمثلت بعدم التساهل مع حلفائها الاساسيين في لبنان من لبنانيين وغير لبنانيين الامر الذي دفعهم الى التخلي حتى عن التردد المبرر في كل ما يتعلق باغتيال الحريري والتحقيق الدولي والى اغراق الوعود المعسولة على عدد من غير الحلفاء بغية تحييدهم. الى ذلك لا بد من ملاحظة التنشيط الكبير لحركة التشاور بين سوريا والجمهورية الاسلامية في ايران وخصوصا في الاشهر الاخيرة، علما ان النشاط بين طهران ودمشق لم يتوقف يوماً. وظهر ذلك بالتبني الايراني الكامل للموقف السوري من المجتمع الدولي من القرارات الدولية وآخرها 1636 وبابداء الدعم والمساعدة لسوريا في مواجهتها السياسية الحالية مع اميركا وكذلك في حال تحول هذه المواجهة عسكرية او ما شابه ذلك. وظهر ايضا بتبني ايران نظرية سوريا حول نهاية ميليس ولجنته بعد تطورات الشاهد السوري الكردي هسام طاهر هسام. وظهر اخيرا بدفع ايران حلفاءها اللبنانيين وغير اللبنانيين المقيمين في لبنان الى العودة الى التشدد.

ايّ سوريا على المجتمع الدولي ان يصدّق؟ سوريا المتعاونة مع التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري ام سوريا التي تعد للحرب او بالاحرى للمواجهة عدّتها؟

لا احد يملك جوابا عن هذا السؤال. التطورات القريبة وحدها هي التي يمكن ان تقدمه. لكن ما يمكن الاشارة اليه هو ان سوريا من جهة تستعد للمواجهة او للحرب كأنها قائمة غدا ومن جهة اخرى بدأت شكلا على الاقل التعاون الذي التزمته. فهل ان تعاونها هو لكسب الوقت وتحصين الذات تلافيا لدفع اثمان التعاون مع المجتمع الدولي؟ ام هو للمحافظة على الذات بعدما تفاقمت الاخطار وتأكدت جديتها؟ ام هو لبدء صفقة مع هذا المجتمع لا تزال ملامحها غير واضحة حتى الآن.

طبعا ليست هناك اجوبة عن هذه الاسئلة. لكن الاجوبة موجودة اولا عند سوريا بل عند نظامها الذي اظهرت اجهزته الامنية براعة، والبراعة لا تعني استحسان ما قامت وتقوم به، والذي اظهر سياسيوه او معظمهم تخلفا لم تعرفه يوما سوريا حافظ الاسد. وهي موجودة ايضا عند المجتمع الدولي بعربه وغير العرب. وفي انتظار الحصول عليها سيبقى اللبنانيون في وضعهم التعس الحالي اي لا "معلقين ولا مطلقين" كما يقال، بعضهم يصلي لحصول صفقة سورية — دولية وبعضهم الاخر يصلي لعدم حصولها. ولكل من البعضين اسبابه الوجيهة.