المؤتمر الدولي محور السلام 2005
مداخلة السيد سليم العمراني التي ألقاها أثناء ندوة "التهديد بالتدخل الأجنبي".وعلى الصورة يظهر من اليمين الى اليسار كل من : سليم العمراني، زينة فياض،فيليب بيرغ وويبستر تربلي

وعندما نتتبع تاريخ الإرهاب الدولي، فان الحالة الكوبية تأخذ شكلا استثنائيا فريدا من نوعه. إذ منذ عام 1959، وقعت كوبا ضحية حملة معادية مكثفة من الإرهاب، الغزو المسلح، التهديدات المتكررة بالهجوم النووي، العقوبات الاقتصادية الأكثر حدة إلى جانب حملة عداء إعلامية وسياسية ودبلوماسية منظمة. [1]

إرهاب دولي وعقوبات اقتصادية

وتثبت الوثائق الأمريكية الرسمية والتي صرح بنشرها علنا، أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية قد أدخلت ما حصيلته 75 ألف طن من المتفجرات أثناء ثلاثين رحلة جوية، وذلك ما بين أكتوبر1960 وأبريل1961. كما أدخلت أيضا 45 ألف طن من السلاح والمتفجرات أثناء واحد وثلاثين رحلة بحرية. وقد دبرت وكالة السي آي ايه أثناء السعة أشهر هذه 110 عملية تفجير بالديناميت، كما ركبت 200 قنبلة أدت إلى تحريف ستة قطارات عن مساراتها، إلى جانب إحراق 150 مصنع تبعه إحراق 800 قطعة أرض فلاحية.

وما بين عامي 1959 و1997، قادت الولايات المتحدة 5780 عملية إرهابية ضد كوبا. 804 منها شكلت عمليات .........، و78 أخرى عبارة عن تفجيرات ضد أهداف مدنية مما خلف الآلاف من الضحايا.

وقد خلفت العمليات الإرهابية ضد كوبا ما حياة 3478 شخص مواطن كوبي، كما شلت إلى الأبد 2099 شخص. وما بين 1959 و2003، وقعت حوالي 61 عملية خرق للسفن والطائرات. أما ما بين 1961 و1996، حدثت 58 حالة هجوم بحري مست بحوالي 67 منشأة اقتصادية ومخلفة أضرار مدنية.

كما ساندت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية 299 مجموعة من الأشخاص المسلحين والمدنيين وصل عددهم إلى 4000 فرد. ويعد هؤلاء المسئولون عن 549 عملية اغتيال مخلفة أيضا الآلاف من الجرحى.

وقد خلف العدوان الجرثومي عام1971 مقتل ما يقارب نصف المليون من الخنازير. أما عملية إدخال ........عام 1981، فقد خلفت 334.203 ضحية. منها 158 قتيل من بينهم 101 طفل. وبعده بقليل أي في السادس من شهر جويلية لعام 1982، تأثر بهذه الكارثة حوالي 11.400 شخص وتقريبا في نفس اليوم.

واغلب هذه العمليات الإرهابية قد دبرت من طرف اليمين الأمريكي المتطرف من أصول كوبية، ودعمت ماديا ولوجستيا من طرف وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.

التغاضي عن الإرهابيين

ويحضرنا في هذا السياق، اسم لويس بوزادا كاريل [2]، والذي يعتبره مكتب التحقيقات الفدرالي "أخطر إرهابي على وجه المعمورة". هذا الأخير يتمتع بالحرية وبحماية جيدة من طرف إدارة بوش، في الوقت الذي يعتبر فيه المسئول الأول عن الكثير من التفجيرات. وتشترط فنزويلا إلى اليوم ضرورة تسليمه. ويقف بوزادا وراء العملية التفجيرية الدموية بمنطقة "بارباد" ضد طائرة مدنية في أكتوبر من عام1976، والتي خلفت مقتل 73 شخص.

ونذكر هنا أيضا "أورلاندو بوش"، إرهابي فعلي آخر ومسئول عن عشرات عمليات الاغتيال. وقد صرحت إدارة القضاء بالولايات المتحدة في تقرير صادر عنها يوم 23 جوان 1989أن تواجد أورلاندو بوش بالولايات المتحدة أمر غير مقبول. وبعد من الزمن، وبعد أن أدان القضاء الأمريكي وبشدة أورلاندو بوش بتهمة الإرهاب، تم العفو عنه من طرف الرئيس بوش الأب. وحاليا يتجول هذا الإرهابي بكل حرية في شوارع ميامي ويظهر على كثير من وسائل الإعلام ليصرح لها أنه يحضر دوما لأعمال عسكرية ضد كوبا.

قضية الأشخاص الخمسة

وقد دعت الحكومة الكوبية يومي 16 و17 جوان1998، مسئولين بارزين بمكتب التحقيقات الفدرالي، من أجل اطلاعهما بالعديد من الوثائق التي تثبت خطورة الأربعين شخص، المتورطين في كثير من الأعمال الإرهابية، والذين يقيمون بولاية فلوريدا. والى اليوم، لم تستدعي السلطات الأمريكية ولا أحد من هؤلاء، رغم الوثائق التي بحوزتها والتي تثبت تورطها.

وبعد مضي ثلاثة أشهر، أي في القاني عشر من سبتمبر1998، قرر مكتب التحقيقات الفدرالي توقيف خمسة أشخاص كوبيين هم: رونيه غونزاليس سيفريت، رامون لابانينو سالازار، فرناندو غونزاليس ليور، أنطونيو غيريرو رودريغاز وأخيرا جيراردو هرنانديز نورديلو. وقد خاطر هؤلاء الخمسة بحياتهم من أجل تجميع كم هائل من المعلومات عن العمليات الإجرامية التي تقوم بها المجموعات الإرهابية بميامي. وقد نجح هؤلاء في الحيلولة دون حدوث 170 عملية إرهابية ضد كوبا، عن طريق تحذير حكومة هافانا في الوقت المناسب.

دعوى قضائية فريدة من نوعها

اتهم الأشخاص الخمسة بالتجسس، غير أن قرار إدانتهم لم تتم المصادقة عليه إلا أربعة بعد تاريخ توقيفهم، وبعد أن تكبدوا مرارة حملة إعلامية معادية تتهمهم بالتورط في التجسس حتى قبل موعد بداية الدعوى القضائية.

ثم اتهمهم قاضي قضاة ولاية فلوريدا بتهمة اختراق المجموعات الإرهابية، وكان ذلك يوم 14 سبتمبر1998. غير أن هذا القاضي وفي غياب شرعية قضائية تسنده، عاد فتراجع عن الأسلوب الذي اتهم به الأشخاص الخمسة من أصل 26 تهمة. ولعل أخطر الدعاوى التي وجت إلى هؤلاء المتهمين، هي دعوة المدعي الأول رقم (18 يو اس سي 371) والذي يتهمهم فيها بالتواطؤ من أجل تدبير مخالفات ضد الولايات المتحدة. المدعي الثاني تحدث عن تهمة التجسس. أما الثالث فقد اتهم جيراردو هرنانديز بالقتل المتعمد، في إشارة إلى أحداث 24 فبراير1996، حيث قتل الأشخاص الأربعة الأعضاء في المنظمة الإرهابية المسماة " هرمانوس آل ريسكات" بعد محاولات عديدة لخرق للمجال الجوي الكوبي.

لم تثبت أي أدلة من طرف المحقق العام بخصوص شهادات هؤلاء المدعين الثلاثة. وبقت الثلاثة وعشرين تهمة غير ذات وقع كبير ولا تشير سوى إلى مشاكل متعلقة بهوية الأشخاص وعدم كونهم مسجلين كعملاء في أجهزة دولة عظمى. ولم يتم رفض هذه التهم من قبل وزارة الدفاع.

ومنذ اعتقالهم إلى غاية الثالث من فبراير2000، أي لما يقرب من 17 شهر، وهم محتجزين في زنزانات معزولة،ومبعدين عن بقية السجناء. ولم تتح لهم حتى إمكانية التواصل مع العالم الخارجي.

وبافتراض إمكانية وأهلية المحكمة في إثبات أعمال تجسسية، فقد اتهم الأشخاص الخمسة بالتواطؤ من أجل التحضير لعمليات تجسسية.

محاكمة جزئية

أثناء المحاكمة، أثار المحقق العام قضية "قوانين المعلومات المصنفة" والتي تقضي بالاحتفاظ بالمعلومات والأدلة السرية وعدم نشرها من طرف وزارة الدفاع. غير أنه استعمل هذه القوانين ضد صالح المتهمين. وفي يقين منه بعدم مصداقية التهمة التي يسوقها، كرر المحقق العام ثلاث مرات أمام الملأ وبنبرة عالية غير منضبطة " لقد جاء هؤلاء إلى ميامي من أجل تدمير الولايات المتحدة".

غير أن القرائن التي تثبت عدم تورط الأشخاص الخمسة في عمليات تجسس، لم يتم عرضها من طرف وزارة الدفاع، ولكن من طرف عسكريين أمريكان رفيعي المستوى هم : نائب أمين البحرية الأمريكية أوجين كارول، جنرال قسم الجيش الأمريكي ادوارد بريد آتكسون واللواء العام للقوات الجوية الأمريكية جيمس كلابر.

ومن أجل تبرير تهمة التواطؤ في عمليات التجسس، استخدم المحقق العام فكرة أن انطونيو غيريرو اشتغل بورشة للتعدين بالقاعدة العسكرية للتدريب التابعة للجيش الأمريكي بمقاطعة "بوكا شيكا".

وقد استجوب الدفاع المسئولين العسكريين السامين الاستجواب التالي:

 سؤال موجه من طرف الدفاع إلى نائب أمير البحرية أوجين كارول بخصوص بوكا شيكا: "ما هي المعلومات المتعلقة بتقنيات التدريب العسكري لدى البحرية الأمريكية، والتي من شأنها أن تكون مفيدة للجيش الكوبي؟

 الجواب: "ولا واحدة من التي أعرف".

 سؤال موجه إلى الجنرال أتكسون: " هل هناك فرق في علاقتنا بين حلف وارسو والاتحاد السوفييتي بأوروبا، وبين علاقتنا مع كوبا؟"
 الجواب : "نعم، هناك فروق".
 سؤال : " ما هي هاته الفروق؟"
 الجواب: " كوبا لا تشكل خطرا علينا" (مذكرا بالهوس الذي ردده المحقق العام: لقد جاؤوا من أجل تدمير الولايات المتحدة).
سؤال: " ماهي العلاقة بين التخوف من هجوم محتمل،وبين البحث عن معلومات؟"
 الجواب: " أعتقد أنهم يستخدمون أجهزتهم الاستخباراتية من أجل معرفة إن كنا بصدد التحضير لمهاجمتهم"
 سؤال: " في تحليلكم للوثائق، هل وجدتم فيها وثائق مصنفة على أنها سرية؟ "
 الجواب: " لا"

 سؤال : " هل وجدتم تعليمات تنص على أن هؤلاء يبحثون عن معلومات من شأنها إزعاج الولايات المتحدة؟"
 الجواب: " لا".
 سؤال موجه إلى اللواء العام كلابر: " هل أنتم موافقون على التأكيد بأن محاولة الحصول على معلومات عمومية لا تشكل عملا تجسييا؟"
 الجواب : " نعم".
 سؤال : " أنتم وبالنظر إلى تجربتكم في مجال الاستخبارات، ألا تصنفون كوبا كدولة تشكل تهديدا عسكريا للولايات المتحدة؟"

 جواب : " أبدا على الإطلاق، كوبا لا تشكل خطرا"
 سؤال: " هل وجدتم أدلة تثبت محاولة جيراردو هرنانديز العثور على معلومات سرية؟"
 الجواب: " لا، حسب ما أذكر"

أدلة واهية

فيما يخص جيراردو هرنانديز، والمتهم بالقتل، اعترف المحقق العام قائلا: " نظرا للشهادات المقدمة أثناء الجلسة القضائية، فان اتهام جيراردو هرنانديز بالتورط يعتبر أمرا غير ممكن للولايات المتحدة". وفي هذه الأثناء، أقر القاضي بضلوع جيراردو هرنانديز بعملية القتل رغم تصريحات المحقق العام الذي بدا غير قادر على التدليل على تصريحاته.

سابقة من نوعها في تاريخ العدالة بالولايات المتحدة. حكم على الأشخاص الخمسة بأحكام مشددة، رغم أنه لم يتم ثبوت ولا واحدة من العمليات المنسوبة إليهم. لقد كانت محاكمة سياسية ليس إلا.

أحكام جد قاسية

حكم على جيراردو هرنانديز بحكم ثلاثي، أحدها بالسجن المؤبد، والثاني والثالث بالسجن لمدة خمسة عشر عاما. أما رامون سالازار، فقد حكم بدخول السجن الإجرامي مؤبدا، إلى جانب حكم آخر بالسجن لمدة ثمان عشر سنة إضافية. انطونيو جيريرو رودريغاز حكم عليه بالسجن المؤبد إلى جاني حكم بالسجن لمدة عشر سنوات إضافية. وبهذا يتوجب على الثلاثة أن ينهوا حياتهم بالسجن، ثم يعودوا للحياة مرة ثانية من أجل أن يقضوا ما تبقى لهم في الأحكام الصادرة بحقهم، باستثناء جيراردو هرنانديز الذي يتعين عليه أن يحيا ثلاث مرات من أجل أن يسدد الذي عليه من الأحكام، ويسوي بالتالي وضعيته تجاه الولايات المتحدة.
أما فرناندو غونزاليس ليور، فقد حكم عليه بخمسة عشر سجنا، و رونيه غونزاليس سيلفريت بخمسة عشر سنة احتجاز. إجمالا فقد حكم على الخمسة بأربعة أحكام سجن مؤبد، ثم 77 سنة سجن مضاعفة.

مخالفات قانونية عدة أثناء المحاكمة

وإذا أحصينا المخالفات القانونية ضد الأشخاص الخمسة فهي متعددة:
 فور توقيفهم، لم يتح لهم الحق في طلب محام.
 لقد انتظروا أكثر من يومين من أجل الحصول على حق المرافعة القضائية.
 لقد تم استجوابهم لمدة طويلة دون حضور محاميهم.
 لقد تم حجزهم لمدة 17 شهرا معزولين، خلافا للأعراف القضائية والتي تقتضي عزل المتهمين فقط في حالة الأشخاص القتلة، ومن أجل مدة لا تتجاوز الستين يوما.
 20.000 وثيقة مقدمة ضدهم، تم نشرها وتصنيفها.
 لم يتمكنوا من الاتصال مع محاميهم من أجل التحضير للدفاع عن أنفسهم.
 تم التلويح على بعض الشهود بالخيانة في حالة إدلائهم بمعلومات للدفاع.
 لم تنقل جلسات المحاكمة من ميامي، رغم الضغوط السياسية الساخنة التي شهدتها البلاد والتي أثرت على كل شيء له علاقة بكوبا.
 قبل بدء المحاكمة، تعرض المتهمون لحملة دعائية ،إعلامية وعدائية شرسة من قبل وسائل الإعلام التي اتهمت الأشخاص الخمسة بالتجسس. وحسب استطلاع للرأي أجري آنذاك، حوالي 97% من المواطنين المستجوبين بخصوص المتهمين، أقروا أنهم قد لقنوا ما يجب قوله في حق المتهمين.
 لقد هدد القضاة بالموت إذا حاولوا تبرئة المتهمين، كما أظهرت ذلك الكثير من مقالات الصحافة المحلية. [3]

 مجلس القضاة حاول الظهور بحيادية ولو جزئية. لقد تم تشكيله من اثنا عشر عضو. وكان رئيس هذا المجلس قد صرح أنه " ضد حكم فيدال كاسترو الاستبدادي". أما العناصر الإحدى عشر الباقية فقد كانت لها مواقف مشابهة.

مجموعات إرهابية محمية

وقد شكلت الدعوى القضائية زيادة على كونها ابتزازا سياسيا ضد كوبا، وسيلة لحماية الإرهابيين، كما أوضحت ذلك تصريحات القاضية جوان ليونارد. فقد اقترح المحقق العام على رونيه غونزاليس المحكوم عليه بخمسة عشر سنة، أن يشهد بشهادات زور ضد أصدقائه مقابل إطلاق سراحه. وبطبيعة الحال فقد رفض غونزاليس هذا العرض. وقد عبرت القاضية جوان عن " قلقها لأن من أن هذا المتهم قد يعاود مزاولة نشاطات إرهابية بعد انقضاء مدة الحكم ". وبهذا قد أضافت القاضية إلى جانب الحكم بخمسة عشر سنة " شرطا خاصا مضافا يتمثل في منع هذا المتهم من التواصل مع أشخاص أو مجموعات إرهابية أو مع أعضاء مجموعات تدعو إلى العنف أو إلى شخصيات إجرام منظم أو حتى من زيارة أماكن خاصة يتردد عليها الإرهابيون". وقد أقرت المحكمة بوضوح أن ميامي تحتضن " عناصر ومجموعات إرهابية" لا تفعل شيئا طبعا، في حين أن الرئيس بوش قد أطلق دعوات "الحرب على الإرهاب".

أحكام ملغاة وحجز غير قانوني

وكانت الدعوى القضائية قد أطلقت في أبريل وماي 2003 من طرف الدفاع لدى محكمة أطلنطا. وفي السابع والعشرين من ماي 2005، أعلنت اللجنة الأممية المكلفة بالبحث في قضية احتجاز المتهمين الخمسة، أن هذه المقاضاة فيها تجاوزات مخالفة للقانون الدولي. في التاسع من شهر أوت 2005، ألغت محكمة الاستئناف للدائرة الحادية عشر لمقاطعة أطلنطا حكم المحكمة الأولى، ومنذ هذا اليوم والمتهمون الخمسة يعيشون حالة انتهاكات وتجاوزات مخالفة لكل الأعراف والقوانين الدولية.

حالة تعذيب نفسي ومعنوي

وقد حدثت الكثير من حالات التعذيب النفسي والمعنوي ضد عائلات المتهمين الخمسة. إذ إلى اليوم لا تزال السيدة أولقا سالانيفا زوجة رونيه غونزاليس وابنتها ايفيت، ممنوعتين من حق زيارته. كما منعت السيدة آدريانا بيريز أوكنور من زيارة زوجها جيراردو. وقد مضى على هذا حوالي ثمان سنوات. والإسعاف الذي تتلقاه السيدة آدريانا يشكل فعلا علاجا لحالة مضطهدة نفسيا. وقد حصلت على ترخيص زيارة زوجها المحتجز بلوس آنجلس يوم 25 جوان2005، بعد خمس سنوات من الانتظار. غير أنه فور وصولها إلى الولايات المتحدة، تم توقيفها من طرف رجال مكتب التحقيقات الفدرالي، حيث استجوبت لمدة إحدى عشر ساعة قل أن يتم طردها إلى كوبا.

ومن أجل تبرير هذه التجاوزات، أعلنت حكومة الولايات المتحدة أن السيدة أولقا سالافينا والسيدة آدريانا بيريز، ليس بامكانهما إطلاقا الحصول على تراخيص، لأنهما تمثلان تهديدا للأمن القومي. بل حتى الفتاة الصغيرة ايفيت والتي يبلغ عمرها ثمان سنوات، والتي لم تتعرف بعد على أبيها، هي أيضا تشكل خطرا وتهديدا للأمن القومي الداخلي للولايات المتحدة حسب تصريحات وزارة الخارجية الأمريكية.
ومن أجل التصريح ببعض الزيارات عن طريق القنصليات للمتهمين الخمسة، تم توزيع هؤلاء على أرجاء متفرقة من البلاد: جيراردو هرنانديز إلى كاليفورنيا، أنطونيو غيريرو إلى الكولورادو، فرناندو غونزاليس إلى مقاطعة الويسكونسن، رامون لابانينو إلى التكساس أما رونيه غونزاليس فقد أرسل إلى مقاطعة كارولين الجنوبية.

التشريع الأمريكي والقانون الدولي المنتهكان

وتعتبر مقاضاة هؤلاء الخمسة، انتهاكا صارخا للدستور الأمريكي، لقوانين مكتب السجون الفدرالي، لاتفاقية حماية الأشخاص من التعذيب والانتهاكات والتجاوزات الخطيرة واللاانسانية، لاتفاقية فيينا المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية، لاتفاقية حقوق الأطفال، لأبسط القوانين الأممية الخاصة بمعاملة السجناء ومخالفة أيضا وأخيرا للاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان.

المعايير المزدوجة لوسائل الإعلام العالمية

واشنطن كما هو الحال تحتضن على أراضيها مجموعات إرهابية تقود حربا بلا هوادة ضد الثورة الكوبية. وتتحرك هذه المجموعات الفاشية بكل حرية تحت سماء الولايات المتحدة دون أدنى اتهام، لأنها تاريخيا تتمتع بدعم البيت الأبيض الأمريكي. ويبدو أنها حلقة من حلقات إرهاب لويس بوزادا كاريل، المتواجد بالولايات المتحدة منذ منتصف مارس2005، في الوقت الذي أصدرت ضده المحاكم الأمريكية قانونا بمنعه من التواجد على أراضي البلاد بحجة نشاطاته الإرهابية. هذا المسلسل الذي يلقي بظلاله حول مدى مصداقية تلك الحملة المعروفة باسم "الحرب على الإرهاب".

في هذا السياق، تعتمد وسائل الإعلام الأمريكية منطقا مزدوج المعايير في تعاملها مع قضية "الحرب على الإرهاب"، والذي في الحقيقة ما هو إلا ذريعة للتغطية على طموحاتها التوسعية. وقد امتد هذا الازدواج في المعايير إلى وسائل الإعلام الدولية، التي تتعامل بانصياع وانتقائية مفرقة بين "الإرهاب الجيد والإرهاب السيئ". وتبدو هذه الأخيرة متواطئة إلى أبعد الحدود في عملية شاملة ترمي إلى تحقيق مطامع ومخططات واشنطن.
وهذا التواطؤ الإعلامي يبدو واضحا للعيان وضوح الشمس.إذ كيف تجنبت كبريات وسائل الإعلام والاتصال العالمية الخوض في موضوع الحالة الكوبية في عصر وصف بأنه عصر "الحرب على الإرهاب".؟ كوبا هذا البلد الذي عانى ولازال من أطول وأشرس حملة عدائية إرهابية في التاريخ الحديث.

وباسم أي أيديولوجية طرقت الصحافة الدولية موضوع ضحايا 11سبتمبر 2001،و تجنبت الحديث عن تلك التفجيرات الدامية التي تكبدتها شركة الطيران الكوبية "كوبانا دي آفياسيون" يوم 6أكتوبر1976، والتي تعد أول عمل إرهابي على المستوى الجوي في التاريخ؟.كيف يمكن تفسير أنه في الوقت الذي آوت فيه الولايات المتحدة الإرهابي لويس بوزادا كاريل، فضلت وسائل الإعلام الدولية الحديث عن مجموعة صغيرة من "المتمردين" الكوبيين المدعومين ماديا ولوجستيا من طرف واشنطن، كما تثبته بالوقائع وثائق وزارة الخارجية الأمريكية؟

ويؤكد التعامل الإعلامي مع إشكالية الإرهاب، ليس فقط ازدواجية المعايير في الخطاب، بل حتى أعجوبة الطرح الذي يعرف ب"الحرب على الإرهاب". ولو كان لقضية "الحرب على الإرهاب" أدنى أساس، لكان حري وأولى بوسائل الإعلام الدولية أن تناهض تلك الحملة العدائية الإرهابية التي تقودها حكومات الولايات المتحدة المتعاقبة ضد الشعب الكوبي منذ 1959.وهذا الإجماع على عدم التعاطي مع مسألة الإرهاب الذي تعاني منه كوبا، لهو خير دليل على تورط وسائل الإعلام الغربية وازدواجيتها.

وان هذه الانتقائية التي تمارس وسائل الإعلام لا تدفع إلا باتجاه التأكيد وبقوة على مصداقية تلك التوجهات التي تسود الكثير من إدارات التحرير في العالم. وان فضيحة المواطنين الكوبيين الخمسة المتهمين والمسجونين بالولايات المتحدة، لهي خير دليل. ولو أن المجتمعات الغربية كانت متحررة فكريا، لكانت أدانت ذلك التعامل غير الأخلاقي واللاانساني مع هؤلاء. غير أنه للأسف قد تم حذف هذه الفضيحة القانونية تماما من على منابر الصحافة والإعلام المهيمن.

وواقع الأخبار والمعلومات اليوم أنها تمر بعملية غربلة أيديولوجية تعكس إلى حد كبير صورة تلك الشمولية المتجذرة في بنى وسائل الإعلام الدولية.وفي الحقيقة، تحولت الصحافة والتي من المفروض أن تقدم معلومات صحيحة للمواطنين، إلى أداة رقابة على حركة الفكر والمفاهيم، وتعمل بانتظام على إقصاء كل المناظرات والحوارات المهمة كقضية مشروعية حرب ما على دولة ما اختارت لنفسها استقلالها وحرية قرارها. وان مسألة أساسية مثل مسألة حق كوبا في الدفاع عن نفسها من الهجمات العدوانية لا تطرح أبدا للنقاش.

وعن الصحافة الفرنسية مثلا، فقد دفعت بتحاليلها باتجاه اعتبار لويس بوزادا كاريل "مقاوما ضد حكم فيدال كاسترو" بدل كونه "شخصية متهمة بالإرهاب" أو حتى "شخصية لها ماض إرهابي". وان هذا النوع من الإجرام السميائي لا أحد يشكك فيه مصداقيته وهو يعكس إلى حد كبير مدى التأثير الكبير الذي تمارسه التقاطعات الإيديولوجية على الممارسة الإعلامية. ما الذي سيحدث لو أننا اعتبرنا أسامة بن لادن" مقاوما لنظام بوش" أو اعتبرناه "شخصية متهمة فقط بالإرهاب" أو حتى "شخصية لها ماض إرهابي"؟ إن اللغط الحاد الذي سيخلفه ذلك التصنيف، هو تماما ما يخفيه أسلوب التناول الإعلامي الذي تمارسه وسائل الإعلام الدولية بشأن لويس بوزادا كاريل.

وبهذا تشارك كبريات وسائل الإعلام بشكل ما في عمليات الإرهاب، لأنها تعتبر أن تلم العمليات الدامية ضد كوبا لا تشكل أية أهمية. وكان أجدر بها على الأقل أن تدين عمليات الاعتداء باسم معاداة النهج الثوري الكوبي. وفي أحسن الأحوال
يدان المسئولون المجرمون السياسيون إعلاميا ويجردون من كل براءة، كما هو الحال في المصطلحات المستعملة للدلالة على الإرهاب الفظيع بالقارة الأمريكية.

وقد درجت الصحافة على تبرير كل نوع من العدوان ووصفه على أنه عمل إرهابي. وفي هذا الاتجاه تتغير المفاهيم حسب طبيعة الضحية المستهدفة.فإذا كانت هذه الضحية هي أوروبا أو الولايات المتحدة، فان منفذي العمليات هم إرهابيون بداهة ودون جدال. أما إذا كانت الضحية هي كوبا، فان المنفذون يتحولن إلى أشخاص "متهمين بالإرهاب" والى "شخصيات مقاومة لنظام كاسترو" أو حتى قل "شخصية ذات ماض إرهابي".وبهذا يصير الهدف الأكبر لهذا الإرهاب الإعلامي هو الرأي العام.

وختاما، يبقى الإطار الأيديولوجي
الذي يحكم وسائل الإعلام اليوم يفرض الرقابة التامة على كل القضايا الفعلية التي تعيشها الإنسانية. وعلى هذا الأساس تبقى وسائل الإعلام المملوكة لحساب مجموعات اقتصادية ضاغطة، تشكل سمة الخطر الكبير والرئيس الذي يقف في وجه مستقبل الإنسان.

ترجمه لشبكة فولتير: رامي جميع الحقوق محفوظة 2005©

[1وللكاتب حول نفس الموضوع : الى جانب "Salim Lamrani (edited by), Superpower Principles : U.S. Terrorism against Cuba (Monroe, Maine : Common Courage Press, 2005) " ومؤلف "Salim Lamrani (sous la direction de), Washington contre Cuba : un demi-siècle de terrorisme et l’affaire des Cinq (Pantin : Le Temps des Cerises, 2005) " ومؤلف "Salim Lamrani (editor), La guerra contra el terrorismo y el caso de los Cinco (Barcelona : El Viejo Topo, 2005)ومؤلف "Salim Lamrani (compilador), Terrorismo de Estados Unidos contra Cuba. El caso de los Cinco (La Havane : Editorial José Martí, 2005).""

[2اعترافات لويس بوزادا كاريل : فولتير 14 جوان 2005.

[3El Nuevo Herald, « Miedo a ser jurado en juicio de espías »,
ديسمبر 2000.