هآرتس - أحد التقارير التي أعدت حول ما يحدث في شرق القدس باعداد ممثلي دول الاتحاد الاوروبي في القدس ورام الله، سُرب بتوقيت غير ناجح ولم يحظ باهتمام جدي واختفى بسرعة. الوثيقة التي أعدت في القنصلية البريطانية في شرق القدس على ما يبدو (في الوقت الذي كانت فيه بريطانيا رئيسة للاتحاد)، قُدمت لوزراء خارجية الاتحاد إلا أنهم قرروا عدم البحث فيها، وحتى عدم تأكيد وجودها لانهم تخوفوا من أن تُلحق الضرر في تطبيق اتفاق المعبر الحدودي في رفح الذي كان لهم إسهام فيه واهتمام في تطبيقه- كبرهان على مشاركتهم في عملية السلام.

"ليس هناك تقرير على الطاولة"، قال ممثل الاتحاد في تل ابيب، و"لا يوجد فيه أي شيء غير عادي". هذا الموقف سمح لوزارة الخارجية الاسرائيلية بأن تستخف بالتقرير حيث يحكمون على التقارير وفقا لشدة الصدى السلبي الذي ينبعث منها وليس بناء على قيمتها. الحملة الانتخابية التي بدأت، تحبط كل محاولة لاجراء مفاوضات موضوعية حول الوضع في شرق القدس، وتتسبب في الاصطفاف العام حول شعارات مهترئة. "حزب العمل" و"حزب كاديما" الجديد - ناهيك عن "الليكود" - كلها تقسم بالولاء للقدس الموحدة الى أبد الآبدين. النقاشات العلنية التي دارت حول سلخ أحياء عربية عن المدينة، تبدلت بضغوط عنيدة بالبدء في تطوير المنطقة التي تربط معاليه أدوميم بالقدس.

تقرير ممثلي الدول الاوروبية في القدس بحد ذاته ليس وثيقة هامة قد تثير ردود فعل قوية، وهو بالمناسبة تقرير لا يخلو من الإهمال واللامبالاة ومكون من جملة من الاقتباسات المأخوذة من تقارير أعدتها أطراف فلسطينية واسرائيلية في السابق، وبعضها كان قد أعد بطلب من الاتحاد الاوروبي. توصيات هذا التقرير ايضا ليست عملية، وبعضها يتناول مواضيع ليست في دائرة اهتمام الاتحاد الاوروبي مثل "البحث عن حل للحصول على تراخيص بناء".

ولكن التوقيت غير الناجح والاعداد غير المتقن غير قادرين على حرف الأنظار عن الجوهر: في شرق القدس تحدث أمور وتُفرض حقائق ستؤثر على مستقبل العلاقات الاسرائيلية - الفلسطينية أكثر من أي تصريح حول التمسك بـ"خريطة الطريق" والدعم اللفظي للدولة الفلسطينية. وكما جاء في التقرير، النشاطات الاسرائيلية "تُقلل من امكانية التوصل الى اتفاق حول مكانة المدينة الدائمة التي يمكن لأي فلسطيني أن يوافق عليها". استكمال الجدار الفاصل ومأسسة الاتفاقات في المعابر وبدء الاعمال في منطقة "E1" والبناء الحثيث في المستوطنات حول القدس وعزل السكان الفلسطينيين خلف الجدار عن مركز حياتهم داخل المدينة وتكثيف هدم المباني "غير القانونية" والتعرض للمؤسسات الفلسطينية وتشويش اجراء عملية انتخابية في شرق القدس، كل هذه الامور تحوّل ربع مليون نسمة من السكان الفلسطينيين الى مجتمع محاصر وتملؤه مشاعر اليأس والاحباط والغضب.

هؤلاء السكان - الذين يعانون من التفرقة ضدهم في تخصيص الموازنات البلدية والمعزولون عن محيطهم الطبيعي وأماكنهم المقدسة وغير القادرين على استغلال اراضيهم للبناء والذين يصل دخلهم الى خُمس دخل اليهود - لا يمكن أن يعتبروا جيرانا جيدين للمجتمع اليهودي الذي يقتسمون معه المدينة وشوارعها وورشها. كان على من ينادون بـ"توحيد" المدينة تحديدا أن يكافحوا ضد البطالة والقمع والحصار، ولكن كراهية الاجنبي التي لا تخلو من العنصرية والخوف والسير وراء المضللين وأطباء الأوثان، تتسبب في تأسيس مجتمع ممزق وعنيف في القدس، والتقارير التي تكشف عن الواقع المتردي تُستقبل بضجر وبرود. طوال سنين كثيرة كانت في مدينة القدس تفرقة وقمع، ولكن السكان الفلسطينيين نجحوا في الحفاظ على قدرتهم على البقاء والتنامي لثلاثة أضعاف، وحتى تحقيق نوع من التعادل السياسي في الصراع حول مستقبل المدينة. السياسة التي يعتبر سور "غلاف القدس" شعارا لها تهدد للمرة الأولى بصورة حقيقية امكانية التوصل الى التعايش المحلي والقومي في المدينة الممزقة، والموجه لسد الطريق على كل احتمالية لتسوية متفق عليها تحت غطاء التمسك بــ"خريطة الطريق".

"وهْم تواصل فك الارتباط" - الذي يحظر الوقوف في وجهه - يُستخدم كدرع يمتص كل انتقاد ويسمح ببلورة الاجماع الذي تصطف من ورائه كل الأطراف التي تعتبر نفسها "وسطا" سياسيا ليبراليا وتدافع عن نظام من التفرقة والقمع. في ظل هذه الشروط يقع الانسان في إغراء التشبث بقشة الاتحاد الاوروبي ويتمنى التدخل الخارجي من قبيل من يُحذر بأن "احتمالات حل الدولتين مع شرق القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية، آخذة في التناقص" (البند 26 من التقرير). لدى الاتحاد الاوروبي أوراق عدة، إلا أنه ينجر وراء الأحداث من شدة إحكامه وبسبب الاتجاهات المتناقضة، ناهيك عن أنه على الجميع أن ينتظروا الى ما بعد الانتخابات على أمل أن ينتظر الواقع في شرق القدس هو ايضا.