ضيا اسكندر

مشهد رئيس أكبر دولة في العالم يتعرّض للرشق بالبيض الفاسد من قبل أحد المتظاهرين ضد العولمة. شجّع (أبو عبدو) على تنفيذ هذه الفكرة ضد أحد كبار المسؤولين في محافظته. تعبيرًا عن احتجاجه على انتشار ظاهرة فقر الدم لدى عامة الناس.

ذهب إلى دكان الحيّ واقترض عشر بيضات وعاد إلى بيته. وفرشهم على سطحه المشمس مدة عشرة أيام. تأكد بعدها من أنها أصبحت فاسدة. ثم جمعها في سلةٍ قصبية، منتظراً بفارغ الصبر قدوم الغد.

وفي صبيحة اليوم التالي ربض عند إشارة المرور، في الشارع الذي يمر فيه عادةً موكب المسؤول الكبير في المحافظة. وبدأ يخطط كيف سينتشل البيضة تلو الأخرى ويرشق بها سيارة المسؤول. وكم سيكون موفقًا فيما لو كانت النافذة الخلفية مفتوحة، فقد يصيبه على وجهه أو على ثيابه فيلوثها. لكن سرعان ما تذكر بأن السيارة مكيفة ولا حاجة لفتح نوافذها.. فاقتنع بالاكتفاء رشق السيارة السوداء الفاحمة و تلويثها...

لحظات ويتناهى إلى سمعه صوت زمور سيارة الشرطة التي تتقدم الموكب. تسارعت خفقات قلبه.. وبدأ جسده بالارتعاش و فرائصه بالارتعاد. فهو لم يسبق له في يوم من الأيام أن تطّلع إلى مسؤول إلا عبر جهاز التلفاز.

وحرصاً من المسؤول على مراعاة نظام السير، توقفت سيارته عند إشارة المرور الحمراء. والتفت باتجاه صاحب السلة القصبية وابتسم. وسرعان ما ابتسم صاحبنا بالمثل. أنزل المسؤول بللور النافذة ليتسلّى معه ريثما تصبح الإشارة خضراء وسأله:

_- ماذا تبيع يا عمّ؟

_- (بخوف شديد يخالطه شعور بالفرح لم يسبق أن انتابه من قبل): بيض بلدي يا سيدي!

_- بكم البيضة؟‍

_- لك مجاناً يا سيدي!

_- لقد اشتقت إلى مذاق البيض البلدي.. هات السلة كلها (ومدّ يده التي تحمل ورقة نقدية من فئة الخمسمائة ليرة..)

_- (بحرجٍ وارتباكٍ شديدين) لكنها فاسدة يا سيدي!

_- وهل تبخل علينا بكم بيضة يا عمّ؟

_- معاذ الله سيدي! ولكنها بالفعل فاسدة!

_- ولماذا تحملها بهذه العناية إذاً؟

_- (بتردّدٍ و تحفّزٍ هائلين لاستحضار الجواب) سيدي! جئت لأرميها في حاوية الزبالة فهي لا تصلح للاستهلاك البشري..

_- برافو عليك يا عمّ! يعطيك العافية.. إنك بالفعل مثال للمواطن الصالح..

وإذ بإشارة المرور الخضراء تؤذن باستئناف السير. فيلوّح المسؤول لأبي عبدو بيده ويختفي في الزحمة.

وقف أبو عبدو متأملاً, نظر إلى السلة ملياً وقد تملكته أحاسيس ومشاعر شتى.. مسح حبات العرق من على وجهه, ثم قطع الشارع إلى الرصيف المقابل..

مشى عدة خطوات متمهلاً والسلة بيده مشوّحاً بها بعبثية... تابع سيره على الرصيف مبتعداً وهو يهز رأسه دليل عدم الجدوى محدّثاً نفسه بصوت مسموع:

لماذا هكذا جبّنت يا أبا عبدو؟

أووف.. وما هي الفائدة؟ لنفترض أنني تجاسرت ورشقت المسؤول بالبيض.. ماذا سيحصل ؟

هل سأفي ديوني؟ هل سأجد فرصة عمل؟ هل سترخص الأسعار؟ هل.. هل..؟
أيه يا دنيا! فعلاً كما يقال: اليد الواحدة لا تصفق... اليد الواحدة لا تصفق!