مايا جابر (الديار)
لا تزال مفاعيل القنبلة التي اطلقها كلام الشاهد هسام هسام من دمشق، بعدما خلع القناع عن وجهه وتبرأ من إفادته السابقة امام لجنة التحقيق الدولية، تتنامى في الاوساط السياسية والشعبية، وتحظى بكمّ كبير من التحليل والتكهنات والتعليقات.
وفي الوقت الذي يتبنى البعض شهادة هسام الجديدة التي تبرئ سوريا من الاتهامات الموجهة اليها في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتحولها الى مكان اخر، يرى البعض الاخر ان هسام هسام هو مسرحية تهريجية او «مقلب» شبيه بمقالب غوار وانه لا يجب الاستناد الى كلامه المتقلّب، في حين ينقسم الجميع في توصيفه بين من يعتبره رجل استخبارات سورية زرع في الاساس داخل عمل اللجنة لتفخيخ التحقيق والتقرير النهائي للجنة التحقيق الدولية، وبين من يرجح كونه عميلا مزدوجا، وبين من يستبعد ذلك ليتكهن بكونه ضحية صفقة ما يجري تحضيرها في الكواليس وستتبلور نتائجها في الاسابيع المقبلة، ولا ننسى رأي البعض الاخر ممن لا يرى في هسام سوى مهرج مضلل لا اكثر ولا اقل.
ولكن بمعزل عن كل ما يقال حول توصيف هذا الشاهد، فإن الثابت ان كلامه الجديد من دمشق وقع كالصاعقة على لجنة التحقيق الدولية وعلى المجتمع الدولي وعلى بعض الاطراف السياسية المحلية. فشهدت الساحة سيلا كبيرا من التعليقات تعدت مسألة التوصيف، لتبحث في مسألة تأثير كلامه الجديد على سير التحقيقات في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وارتباطه زمنيا بمسألة استجواب المسؤولين السوريين في فيينا.
بيد ان اغرب تعليق صدر في هذا الصدد هو ما جاء على لسان السفير الاميركي جيفري فيلتمان. اذ ان فيلتمان الذي اعتبر ان ميليس وحده القادر على تقييم كلام هسام هسام الاخير في دمشق وتأثيره على سير التحقيق، وهذا صحيح، استغرب في المقابل «ان تعطي سوريا مجالا للترويج الاعلامي لشخص يزعم انه اعطى معلومات خاطئة للجنة دولية شكلها مجلس الامن الدولي»، متسائلا: لماذا اعطت سوريا مجالا لترويج كلام هذا الشخص؟ مشددا على ضرورة ان تتعاون سوريا مع لجنة التحقيق الدولية.
كلام السفير الاميركي دفع بالبعض الى الاستغراب من المنطق الاميركي المتمادي في اعتماد سياسة المكيالين عند تقييم الامور.
ويكفي العودة الى تقرير كولن باول الشهير والذي ضلل فيه مجلس الامن الدولي والمجتمع الدولي وادى الى اتخاذ القرار بغزو العراق على خلفية معلومات كاذبة حول حيازة العراق اسلحة للدمار الشامل، ليدرك الجميع ازدواجية الموقف الاميركي فيما يخص بمسألة احترام اللجان الدولية التي يشكلها مجلس الامن الدولي، واحترام المجتمع الدولي.
وفي هذا الاطار، يتساءل البعض ما اذا كان المطلوب ان تطمس سوريا شاهدا ينفي عنها تهمة ضلوعها في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري كي تكون وفق المنطوق الاميركي متعاونة مع مجلس الامن الدولي والمجتمع الدولي.
وما اذا كان المفترض ان تكون في اولويات سوريا محاسبة من ضلل لجنة التحقيق الدولية التي تتهمها بجريمة 14 شباط بناء لأدلة غير واضحة ولشهادات شهود يكتشف زيفها يوما بعد يوم، ام الاولوية السورية هي في دحض المزاعم التي تتحدث عن تورطها في الجريمة حتى ولو اعتمدت على قاعدة «من فمك ادينك» اي تسليط الضوء على كلام الشاهد نفسه الذي اعتمدت عليه لجنة التحقيق في تسطير الاتهام ضد دمشق والنظام فيها؟
وفي هذا الاطار تعتبر مصادر سياسية متابعة انه من غير المألوف ان يطلب من سوريا اخفاء هذا الشاهد عن الانظار وكأنه لم يكن كي تثبت تعاونها مع المجتمع الدولي ولجنة التحقيق الدولية. لأن الترويج لشهادة حسام الجديدة لا يتناقض مع مبدأ التعاون السوري مع المجتمع الدولي في حين ان طمسها وان كان يحفظ سمعة القاضي ميليس وسمعة مجلس الامن الدولي اللذين وقعا اكثر من مرة في فخ إفادات كاذبة بنيت عليها استنتاجات خاطئة في التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الحريري الا انه يحرم سوريا من تأكيد شكوكها حول صحة الاتهامات الموجهة ضدها.
ولكن اذا كان تأثير إفادة هسام الجديدة لإبعاد كأس الاتهام عن سوريا ومسؤوليها امر يعود تقديره الى لجنة التحقيق والمحققين الذين يدركون اكثر من غيرهم مدى اعتماد تقرير اللجنة على معلومات هسام السابقة، فإن السؤال الصحيح الذي يجب طرحه من جانب السفير الاميركي او غيره، هو: لماذا لم تتبرع لجنة التحقيق الدولية بأي توضيح علني حول قصة هسام مع لجنة التحقيق وإفادته ومدى تأثيرها على سير التحقيقات بدلا من ذلك البيان المقتضب الذي اصدرته بعيد ظهور هسام على شاشات التلفزة، وبدلا من ان يتولى السفير الاميركي الدفاع عن لجنة التحقيق المحرجة في تفسير ما جرى والتي يرى البعض ان استقالة او تنحي ميليس عن مواصلة مهمته قد تكون الرد والتعليق الفعلي والواضح على كلام هسام الاخير، في حين يعتقد البعض الاخر ان ميليس لن يبق بحصته الا في تقريره النهائي الذي سيعده ويقدمه الى مجلس الامن الدولي في غضون عشرة ايام!