النهار، سركيس نعوم

القلق الذي سيطر على جهات لبنانية عدة بعد اعلان احد أبرز مساعدي الامين العام للامم المتحدة الاسبوع الماضي ان رئيس لجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس لن يتابع عمله على رأسها بعد انتهاء عقده مع المنظمة الدولية في مطلع كانون الثاني المقبل، لا يبدو مسيطرا بالدرجة نفسها على الاوساط السياسية والاخرى التي تتعاطى الشأن العام من مواقع متنوعة في واشنطن، استنادا الى معلومات وردت حديثا من العاصمة الاميركية على عدد من المصادر الديبلوماسية الغربية المطلعة في بيروت. ويعود ذلك لاسباب عدة منها ان ميليس قد يتجاوب مع الدعوات اللبنانية والاميركية وغيرها لاقناعه بمتابعة مهمته بعد تمديد مجلس الامن مهمة اللجنة ستة اشهر جديدة. ومنها ايضا ان الذي سيحل محله في حال تمسكه بانهاء عقده سيكون مساعده في اللجنة او احد ابرز مساعديه اذا كان له اكثر من واحد، اي الذي يمكن ان يعتبر الرقم الثاني فيها من حيث الاهمية والترتيب. ومنها ثالثا، ان ميليس سيحرص قبل ذهابه على تضمين التقرير الذي سيرفعه الى مجلس الامن عبر الامانة العامة للامم المتحدة كل ما حصلت عليه اللجنة من معلومات وادلة وقرائن واشتباهات، وان يكن من شأنها الايحاء او حتى اظهار وجود رابط اساسي مهم بين عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري وسوريا.

ما هي "سيناريوات" تطور العلاقة بين الولايات المتحدة وسوريا في هذه الحال علما ان الاغتيال المذكور لا يشكّل القضية الخلافية الوحيدة بين الدولتين، بل هناك قضايا اخرى توازيها في الاهمية وربما تفوقها في ذلك وفي مقدمها العراق؟

تشير المعلومات نفسها الواردة من واشنطن الى بيروت الى "سيناريوات" ثلاثة. الاول، اقدام النظام في سوريا على التعاون مع المجتمع الدولي وخصوصا مع زعيمته الولايات المتحدة في صورة واسعة بل شاملة. والثاني، التعاون مع هذين المجتمع والزعيمة على نحو محدود جدا وذلك بغية تحقيق هدف وحيد هو كسب الوقت والاستمرار ريثما تحصل تطورات اقليمية ودولية يمكن ان تعزز وضعه او موقعه وكذلك الحاجة اليه اقليميا ودوليا. ولا يعني هذا التعاون المحدود جدا امتناع النظام السوري عن متابعة سياسة وضع العوائق امام الاستراتيجيا الدولية والسياسة الاميركية حيثما استطاع، وكذلك الامتناع عن محاولة ارباك نيويورك وواشنطن. اما السيناريو الثالث، فهو الاستمرار في الامتناع عن التعاون المطلوب بسعته وشموليته والانخراط في سياسة اطلاق سلسلة من الحوادث وخصوصا في لبنان، يمكن ان تتسبب بإشعال حريق هائل ليس في لبنان وحده بل في المنطقة كلها. وتشير المعلومات الاميركية نفسها الى ان "السيناريوات" ليست جديدة بالمعنى الحرفي للكلمة والى ان اصحابها يعتقدون ان السيناريو الاول لا يزال غير محتمل على الاقل حتى الآن. وان الثاني مرجح وان الثالث غير محتمل ولكن... لكن اصحاب هذه المعلومات نفسها يتساءلون عن الموقف الذي يفترض ان تتخذه الولايات المتحدة من كل من هذه "السيناريوات" ويسألون تحديدا: هل هناك موقف اميركي لكل منها وسياسة تنفيذية له؟ والمعلومات المتوافرة عندهم عن هذا الامر لا تقدم جوابا صريحا الا حيال كل ما يتعلق بالسيناريو الاول اي التعاون السوري الكامل وغير المشروط مع اميركا. اما بالنسبة الى سيناريو التعاون المحدود جدا او اللاتعاون الكامل فان المعلومات الواردة من واشنطن الى بيروت تثير عدم الارتياح بل القلق. ذلك ان ادارة الرئيس جورج بوش لا تبدو على الاقل حتى الآن قد وضعت سياسة للتعامل مع النظام السوري في حال قرر اعتماد اي من السيناريوين الآخرين. طبعا لا يعني ذلك غياب مواقف اميركية مبدئية من سوريا. منها ان الرئيس بوش لا يسعى الى اسقاط النظام في سوريا او لتغييره. وعلى العكس من ذلك فانه واخرون مثله من قادة العالم يريدونه ان يستمر ولكن ان يتعاون مع المجتمع الدولي في الوقت نفسه. وربما لا يمانعون في حصول تغييرات من داخله تلبي جزئيا تطلعات الشعب السوري او ما يعتبرونه "تطلعاته". والعامل المهم الكامن وراء هذا الموقف هو عدم معرفتهم ماذا يفعلون في حال ادت التطورات الى انهيار النظام. علما ان ادارة بوش ومعها حكومة اسرائيل برئاسة ارييل شارون لم يعودوا واثقين من صحة "البروباغندا" التي تقول ان انهيارا كالمذكور سيضع سوريا في قبضة الاسلاميين الاصوليين المتشددين. الا ان الواضح في اي حال هو ان اميركا وحلفاءها "سيشدون الحبل" حول عنق هذا النظام اعتقادا منهم ان ذلك سيجعله يطلب المساعدة منهم. وفي حال عدم حصول ذلك فانهم يتوقعون ان يقرر النظام بل سيده المواجهة العلنية والمباشرة وقد يغامر في دفع المجتمع الدولي الى فرض العقوبات الشديدة عليه. ومن العوامل التي قد تدفع سوريا في اتجاه من الاتجاهين المذكورين التقرير الذي سيرفعه رئيس لجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس الى مجلس الامن قبل 15 كانون الاول الجاري موعد انتهاء التمديد الحالي للجنة.