الحياة جهاد الخازن

الرئيس فؤاد السنيورة وطني. هو يقول ذلك عن نفسه، وأنا اشهد انه صادق، فقد عرفته سنوات، وعرفت اصدقاءه من لندن الى بيروت، والكل وطني.

هو يريد مساواة في التعامل بين لبنان وسورية، ويقول أن لا أحد يقبل بسيطرة بلد على بلد، ويأمل أن يقبل السوريون ذلك، من دون تصنيف الناس بين وطني وغير وطني.

رئيس وزراء لبنان ذكّرني بما كنت شاهداً على بعضه، فهو يقول انه لا يدافع عن «حزب الله» في بيروت فقط، فالمهم الدفاع في مراكز القرار، وقد دافع عن «حزب الله» في الأمم المتحدة وواشنطن، وفي الاجتماعات العربية وفي برشلونة أخيراً، وكل منبر طُرح فيه موضوع المقاومة اللبنانية.

«حزب الله»، كما يقول الرئيس السنيورة، له اعضاء منتخبون في البرلمان، ويمثل مجموعة واسعة من اللبنانيين، وهو شريك في الحكومة وأعطاها الثقة. هو جزء مهم من الحياة السياسية في لبنان.

كان رئيس الوزراء يحدثني في مكتبه الاسبوع الماضي، وهو أكد مرة اخرى ان أي مشكلة مع «حزب الله» لا تحل إلا بالحوار. وطلبات الحزب معروفة من المعتقلين الى نزع الالغام وكيفية حماية لبنان وطبعاً مزارع شبعا.

السيد السنيورة قال عن هذه النقطة الاخيرة ان هناك اقنية قانونية لتحديد ملكية مزارع شبعا، فترسيم الحدود يجب ان يتم بالتوافق، ثم ترسل الخرائط الى الأمانة العامة للأمم المتحدة لتسجيلها، وكل شبر يحرر مكسب للبنان وسورية.

ويرى رئيس الوزراء ان لبنان يجب أن يكون آخر بلد عربي في انهاء الصراع مع اسرائيل، وهو يرفض أي موقف لبناني منفرد. ويقول: «أنا فؤاد السنيورة وطني لبناني عربي ... ولن أكون في صف اسرائيل ضد سورية، أو أقبل ان يصبح لبنان مركزاً لإضعاف سورية».

كل من يعرف فؤاد السنيورة مثلي يعرف أنه وطني، الا انني لا أعرف إن كانت الوطنية تكفي، فهو في رئاسة الوزراء لا يمثل نفسه، وانما يمثل الغالبية النيابية التي اختارته ليمثلها، وقد شهدت على مدى ثلاثة ايام مدى الفارق في النظرة الى المحكمة الدولية المقترحة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري بين الغالبية النيابية وتحالف «أمل» و «حزب الله»، فالغالبية تريد أن تسجل الحكومة طلب المحكمة الدولية فوراً، والتحالف يرفض الموافقة على العنوان قبل ان يعرف نص الموضوع، والى درجة ان يترك الحكومة اذا تحدثت عن المحكمة الدولية.

اصعب خلاف هو ذلك الذي يكون طرفاه على حق، فالغالبية تلاحظ ان التحقيق الدولي مع المشتبه بهم في لبنان كان متفجراً، وأثار جدلاً صاخباً مع كل منعطف فيه، والعدالة بالتالي لن تأخذ مجراها إلا عبر محكمة دولية في الخارج. في مثل هذا الوضع افهم أن تطالب السيدة بهية الحريري بأن يكون التحقيق نفسه في الخارج، بعيداً من التشنجات المحلية، وان تطالب بمحكمة دولية بعيدة من المؤثرات المحلية نفسها، لتكون لها الصدقية اللازمة، وصولاً الى الحقيقة.

في الوقت نفسه، «أمل» و «حزب الله» محقان في طلب ان يعرفا من سيشكل المحكمة، ومَنْ هم قضاتها، وما هي القوانين التي ستحكم على اساسها، قبل ان يوافقا.

وسط هذا التجاذب أجد وضع الرئيس السنيورة صعباً، واصعب منه وضع السيد حسن نصرالله، الأمين العام لـ «حزب الله».

مشكلة سماحة السيد ليست في عدم الثقة به، بل في كثرة الثقة به، فهو صاحب كاريزما وذكي ووطني حتى بات كثيرون يعتقدون انه سيستطيع تجاوز أي صعوبة وحل أي ازمة. الا انه لا يملك عصا سحرية، فلا أحد يملكها في دنيا الواقع، واغتيال الرئيس رفيق الحريري اصبح قضية دولية تتجاوز لبنان وسورية والمنطقة كلها.

السيد حسن نصرالله اعلن غير مرة ان «حزب الله» يريد معرفة الحقيقة ومعاقبة المسؤولين. الا انه حذر ايضاً من ان الحزب يرفض تسييس التحقيق.

الولايات المتحدة سيّست التحقيق بامتياز، فماذا سيكون موقف «حزب الله» اذا ثبت وجود علاقة لسورية باغتيال الرئيس الحريري تتجاوز قادة الأمن السوريين واللبنانيين المحليين الى قادتهم في سورية؟ هل يقبل النتيجة على رغم التسييس، أم يرفض النتيجة متذرعاً بالتسييس؟

أهم من ذلك شعوري الشخصي، وعلى اساس تجربتي المهنية وخبرتي في منطقتي من العالم، بأن ايران ستقف الى جانب سورية حتى لو ثبتت مسؤولية النظام عن اغتيال الرئيس الحريري، فهي ستقدم التحالف القوي بينهما ومصالح البلدين كما تراها، على مصير رجل واحد.

ماذا سيكون موقف «حزب الله» اذا دانت محكمة دولية سورية، ووقفت ايران الى جانبها؟ هل يؤيد الحكم، أم يبقى ضمن الحلف الايراني – السوري الذي يشكل جزءاً اساسياً منه؟

اعرف انني اتحدث عن وضع افتراضي، الا ان الفرضية التي اطرحها هي الارجح بين فرضيتي البراءة أو الادانة.

رئيس الوزراء وطني، والامين العام لـ «حزب الله» ضمانة وطنية، غير ان الوضع الصعب الذي يواجهه كل منهما في عمله سيصبح مستحيلاً ازاء الفرضية المرجحة. ومع ذلك، فاذا كان من مسؤول في لبنان يتقن لغة الحوار فهو فؤاد السنيورة، واذا كان من رجل يملك ثقة المواطنين به لاتخاذ القرار المناسب فهو السيد حسن نصرالله.

كل ما أرجو هو ألا يضيع دم رفيق الحريري وسط تصفية حسابات داخلية واقليمية ودولية.