بن كسبيت/معاريف

في ذروة موجة الارهاب القاتلة التي حدثت في كانون الثاني 1996 طلب أحد أعضاء الكنيست رؤية رئيس الحكومة شمعون بيرس. جرى اللقاء في تل أبيب حيث اقترح خلاله عضو الكنيست من المعارضة على بيريس تشكيل "حكومة طوارئ" لمحاربة الارهاب (يتولى في إطارها المسؤولية عن هذه الحرب) وعرض أمامه خططاً تفصيلية، بيرس، المصدوم والمحبط إزاء طوفان الدم الذي غمر البلاد، مال بيأس لقبول الاقتراح.

حاول بيريس أن يتقمص دور وشخصية رابين، أمل أن يقود اسرائيل إلى السلام، لكن بدل ذلك شاهد أعماله التي أنجزها بملء يديه وهي تغرق في الدم، واقتراب نهايته السياسية. وبضغط من مقربيه، رفض في نهاية المطاف وأسف شديد، اقتراح عضو الكنيست الذي عاد إلى المعارضة، والذي يشغل اليوم منصب رئيس الحكومة، واسمه ارييل شارون.

موجة الارهاب تلك أطاحت بشمعون بيرس من مكتب رئاسة الحكومة واسقطت في داخله بنيامين نتنياهو. وكان اسحاق شامير هو من خسر الانتخابات قبل أربع سنوات في أعقاب "حملة السكاكين" الذين انتشروا في البلاد، أما ايهود باراك فطُرد من مكتب رئاسة الحكومة مع اندلاع موجة الارهاب الحالية في تشرين الأول 2000، وسبق أن حصلت حالات عديدة أُخرى (بيرس نفسه خسر الانتخابات في العام 1988 في أعقاب الزجاجة الحارقة التي قتلت أماً مع ثلاثة من أبنائها قرب أريحا).

كان الارهاب دوماً عنصراً حاسماَ في تحديد مصير رؤساء حكومات اسرائيل. ودوماً كان هناك شخص واحد، أرييل شارون، لعب دوراً دائماً في هذا العمل المقدس: في كل مرة ارتفع فيها لعب الارهاب، كان شارون هو من يهب ليقترح، لينتقد، ليهدد أو ليخرج شيئاً ما صاخباً بشكل خاص بهدف حسمه.

والآن، ولشدة المفارقة، شارون هو من يمسك بدفة القيادة اليوم، والمسؤولية ملقاة على عاتقه، وهو لا يستطيع أن يتهم أحداً. فاليوم، خلافاً لكانون الأول 1996، بات يعلم أن الأمر ليس بسيطاً إلى هذه الدرجة، ولا يمكن حسم الأمور دفعة واحدة. فالصراع طويل، مضن، مُحبط، النجاحات صامتة، والاخفاقات دامية. ثلاثة أشهر من دون تفجيرات يتم التعامل معها على أنها أمر بديهي إلى أن يأتي التفجير ليلقي بنا في ضربة واحدة مدوية على أرض الواقع، كما حصل أمس.

إنها المرة الأولى في التاريخ السياسي الاسرائيلي التي لا يكون واضحاً فيها من المستفيد من الارهاب في الحملة الانتخابية، و"لصالح" من تحصل التفجيرات. حتى اليوم، كانت التفجيرات تخدم مرشح المعارضة.

أما الآن، فلم يعد الأمر بهذه الدقة. هل تخدم عمير بيرتس الذي جمع أمس خليته الأمنية؟ فشعب اسرائيل لم يحبس أنفاسه حقيقة لهذا الاجتماع. ذلك أنه منذ انتخابه يبذل بيرتس جهداً كبيراً في ابعاد الدبابير عن هذه الخلية (ايهود باراك، داني ياتوم وغيرهما) والآن يحاول الحفاظ على ما تبقى من العسل.

ربما يكون الليكود هو المستفيد؟ حسناً. فوزير الدفاع الحالي هو شاؤول موفاز، أحد المرشحين في هذا الحزب لرئاسة الحزب والحكومة. ما الذي يستطيع موفاز أن يفعله ولا يعرف به شارون؟إذا ربما يكون نتنياهو؟ فعلاً ربما يقوم بما كان يقوم به في تلك الأيام الجيدة، عندما كان يصل أولاً إلى موقع الانفجار ليرقص على الدم. فهو وبعد أن اتفق مع لنداو على وقق القنبلة النووية الايرانية (يمكن تنفس الصعداء)، يستطيع أن يتفق مع ميكي راتسون حول كيفية وقف الارهاب الفلسطيني بصورة فورية. هذا طبعاً في حال تم انتخابه. لكن السؤال هو من يقبض هذا الكلام. صحيح حتى اليوم أنه لا يبدو بديلاً جدياً، ذلك أن الخصم الذي يواجهه في مكتب رئاسة الحكومة ليس شمعون بيرس.

الجمهور غير مقتنع فعلاً أن نتنياهو سيتذكر شيئاً ما يمكن أن يكون شارون قد نسيه في كل ما له علاقة بمحاربة الارهاب. هنا يكمن سر قوة رئيس الحكومة: دمج نادر، غير واقعي تقريباً، بين شيئين في بطاقة واحدة. يمين ويسار أيضاً، مكافآت ودمار ايضاً، احباطات (أمنية) واعتبارات (سياسية)، مفاوضات وقصف. عندما يكون شارون راضياً، فإنه يعانق أبو مازن، يلاطف بيرس، ويغازل الأميركيين، وعندما يكون شارون غاضباً، يقصف ويشتم ويضغط.

كرئيس للحكومة، يمكن لشارون أن يفرض الأجندة. هكذا قال أمس في المجلس الوزاري المصغر لقادة المؤسسة الأمنية عند تطرقه لموضوع قادة الجهاد الاسلامي: "لا تعطوهم استراحة للحظة واحدة، وليكن ردكم من القوة بحيث يجعلهم لا يجرؤون على اطلاق النار" (قاصداً بذلك من يطلق صواريخ القسام)، لكن ما الذي سنحصل عليه من هذا الكلام؟ ليس واضحاً.

لا أحد سيتذكر هذه التصريحات بعد عدة أيام، حتى الانفجار التالي (الذي سيحصل، كما ندعو جميعنا، في أبعد وقت ممكن، في حال كان سيحصل).

لم يسبق ابداً على امتداد تاريخ السياسة الداخلية في اسرائيل أن رقص زعيم في هذا العدد الكبير من الأعراس، وأصاب بحجر واحد هذا العدد الكبير من العصافير، وأجاب بصمت واحد على هذا العدد الكبير من الأسئلة. هنا يكمن سر قوة أرييل شارون في اسرائيل 2006 إلى أن يثبت العكس.