مازن بلال

عندما لا تكتمل الصورة فإننا نبني خيالا يحاول ترميم المفقود من امام عيوننا، هذا على الأقل ما يمكن ان توحيه بانوراما التطورات مع انتهاء العام الحالي. والمسألة ليست خواطر نحاول عبرها استكشاف القادم، بل ربما تفكيك مضني لفهم العجز الذي يصيب الثقافة الاجتماعية وهي تواجه احتمالات المستقبل.

منذ بداية العام لم تعد مسألة التهديدات لسورية شأنا مرتبطا بها، لأن الصورة على الجانب الآخر، شرقا وغربا، أكثر من ضبابية، وأقسى من إطلاق مصطلح العنف عليها. الصورة في العراق تلوح كل يوم للعقل، وتبدد أوهاما كثيرة حول القدرة على تجاوز المحنة بسرعة، أو على وقف نزيف الدم أو خطر الاقتتال الطائفي. فالكسب الوحيد من سقوط نظام صدام حسين على يد "الفاتح" الأمريكي هو جرعة زائدة من التطرف والتعصب، تجتاح عالمنا. وهي طفرة إضافية لا يسببها "المقاتلون الأجانب" بل منطق الاستباحة التي تم على مستوى العالم والعراق في عملية الاحتلال.

اليوم لم يعد التهديد إسرائيليا، فهو تهديد داخلي لأبعد الحدود يخلق وضعية انفصام عامة تجرف البعض نحو الماضي، بينما لا يبدو المستقبل واضح المعالم.. هذا هو التهديد الحقيقي الذي يعتلي اليوم منصة الخطاب العام، ومواقع الإنترنيت، دون ان نستطيع إيجاد حل إبداعي واحد لوقف طغيان التطرف.

يمكن اليوم استرجاع ما نشرته "الديلي ستار" في بداية العام حول قدرة سورية على ضبط "القمم" الإسلامي، وبغض النظر عن ما يمكن ان نورده من معلومات عن هذا المقال، لكن يبدو ان علينا تصحيح "التعبير"، فالقمم ليس إسلاميا بل تراثيا .. والرجعة ليست صحوة إسلامية، بل استفاقة للذاكرة على صورة مشوهة من التراث يعتقد البعد انها "العصر الذهبي".

"الصحوة" ... أو صورة الثقافة الاجتماعية اليوم في حنينها لـ"الحل" الإسلامي إنما تنعش مرحلة ثقافية وليس فكرا دينيا .. وإذا كان لا بد من استخدام "الصحوة الإسلامية" أو الثقافة الإسلامية" فإن علينا مراجعة جملة من الأسئلة .. لأن الثقافة تطور مستمر .. ولأن الدين محرض فلسفي وليس يقينيات ثابتة كرستها ثقافة "الأشاعرة" في مواجهة التفكير "الاعتزالي".

جنون التطرف اليوم يتطلب بالفعل قراءة استخدامتنا للتعابير التي تتحدث عنه.. ويتطلب بالفعل تنشيط الفكر ... مهما كان علمانيا أو غير علماني .. شرط ان يكون هناك تنشيط وليس "يقينيات"