النهار

اكدت مصادر اميركية مسؤولة بقوة ان "لا صحة اطلاقاً" لما يشاع عن احتمال عقد صفقة بين الولايات المتحدة وسوريا، في سياق التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، او عن تفكير في تفاهم او مرونة اميركية حيال فرض اي عقوبات دولية على دمشق في ضوء التحقيق.

وقالت ان الذين يتحدثون عن صفقات لا يأخذون في الاعتبار المتغيرات السياسية في واشنطن ودمشق، او التطورات الاستراتيجية التي شهدتها المنطقة في السنوات الاخيرة ومن ابرزها الحرب في العراق والحرب على الارهاب، الى عوامل اخرى منها وفاة الرئيس السوري حافظ الاسد، ووضع المسار السوري في عملية السلام في البراد، والاهم من ذلك وجود الرئيس جورج بوش في البيت الابيض، والرئيس بشار الاسد في الحكم.

ولفتت الى ان الاتصالات الاميركية – السورية معلقة، وحين تعاود، كما حصل قبل اسابيع عقب التظاهرات السورية امام السفارة الاميركية في دمشق، عندما حمّل المسؤولون الاميركيون سوريا مسؤولية اي ضرر تتعرض له السفارة او العاملون فيها، فإنها تعاود على مستويات متدنية او عبر السفارتين، كما ان الاتصالات العسكرية والاستخبارية في شأن العراق معلقة منذ فترة.

واستبعدت ان يشارك اي مسؤول سوري رفيع المستوى من دمشق في جلسة مجلس الامن التي ستناقش تقرير المحقق ديتليف ميليس الاسبوع المقبل "ونحن غير معنيين بحضورهم".

لكن المصادر لاحظت ان سوريا تسعى دوماً الى الايحاء بأن هناك اتصالات او "حواراً" بين واشنطن ودمشق، وان مصلحتها تقضي باعطاء انطباع عن امكان التوصل الى صفقة او تفاهم او ترتيبات من هذا النوع او ذاك على قاعدة: اعطيك هناك، اذا اعطيتني هنا. وفي هذا المجال يذكّر المسؤولون الاميركيون بالوعد الذي قطعه الرئيس بوش للبطريرك مار نصرالله صفير خلال لقائهما المنفرد في البيت الابيض بأن حكومته لن تدخل في اي صفقة مع سوريا على حساب لبنان، كما حصل في السابق.

ومع ان بعض المعلقين والمحللين الاستراتيجيين يرى انه لا يمكن في المطلق استبعاد تغيّر نوعي في العلاقات بين واشنطن ودمشق، اذا قررت سوريا تغيير سياساتها جذريا في المحاور الثلاثة التي تهم واشنطن، اي العراق ولبنان وفلسطين، فانهم يعترفون بانه ليس واضحا ما اذا كان الرئيس الاسد قادرا على تنفيذ اي وعود قد يقطعها.

ويقول المسؤولون الاميركيون ان سجل الرئيس الاسد في السنوات الخمس الاخيرة لا يوحي بالثقة، ويشيرون الى وعود قطعها لوزير الخارجية السابق كولن باول ولغيره من المسؤولين الاميركيين ولم ينفذها، بدءا من تعهده وقف استخدام خط انابيب النفط بين سوريا والعراق قبل الحرب، او اتخاذ اجراءات جدية لوقف تسلل المتطوعين والمحاربين عبر الحدود المشتركة، او وقف نشاطات التنظيمات الفلسطينية الراديكالية التي تتخذ دمشق مقرا لها، او وقف التدخل السافر في الشؤون الداخلية للبنان. وهم يبرزون وجود فارق جوهري في طريقة العمل بين الرئيسين بوش والاسد، اذ يرى الاول ان على سوريا ان تغير سلوكها في لبنان والعراق وفلسطين من غير ان تتوقع تنازلات من اميركا او صفقات معها، لان هذا التغيير مطلوب في ذاته، بينما يرى الثاني ان اي تنازلات من جانب واحد ستكون مكلفة او تعكس ضعفا.

وثمة سبب آخر لاستبعاد الصفقات مع دمشق هو التقويم الاميركي للرئيس الاسد بانه ضعيف ولا يملك مفاتيح السلطة كما كان الحال مع والده. ومع ان المسؤولين الاميركيين يعترفون بانهم لا يعرفون بدقة "ديناميات" العلاقات داخل العائلة الحاكمة في دمشق بين الرئيس بشار وشقيقه ماهر وشقيقته بشرى وزوجها رئيس شعبة المخابرات العسكرية اللواء آصف شوكت، وعلاقتهم بمختلف اجهزة المخابرات الا انهم يضيفون ان هذه التركيبة تعكس ضعف السلطة في دمشق.

ومع ان حكومة الرئيس بوش لا تعتمد سياسة "تغيير النظام" في سوريا، الا ان المسؤولين في واشنطن لا يخفون اصرارهم على مواصلة الضغوط على سوريا والشد عليها وعصر كل ما يمكن من التنازلات منها، من غير ان يؤرقهم القلق السابق من احتمال وراثة التيار الاسلامي السلطة في حال انهيار التركيبة السياسية الحالية. وقد تعزز هذا التقويم في واشنطن اخيرا نتيجة الاتصالات التي تجريها شخصيات سورية معارضة مع المسؤولين الاميركيين، اذ يقول هؤلاء ان الحكومة السورية تلوح لمعارضيها في الداخل والخارج بالبعبع الاسلامي، وهي حجة لم تعد تلقى الصدى الذي كانت تلقاه في السابق في الاوساط السياسية والاكاديمية الاميركية.

وعما يشاع عن مساعي وساطة لاطراف عرب، مثل النشاط الاخير لأمين مجلس الأمن الوطني السعودي الامير بندر بن سلطان، قالت المصادر الاميركية ان هذه المساعي قد توقفت وانها كانت مركزة على اقناع السوريين بالتعاون مع المحقق ميليس وارسال المسؤولين الامنيين الى فيينا لاستجوابهم. وشددت على ان لا علاقة لذلك بالسياسة الاميركية حيال سوريا.وعن مضمون تقرير ميليس، قالت ان ميليس ابقى اوراقه قريبة من صدره ولم يكشفها، لكنها اضافت انها لن تستغرب ان يجدد اتهام سوريا بعدم التعاون بصدق وجدية مع التحقيق، وان يكشف معلومات جديدة عن ضلوع مسؤولين سوريين في اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه مبنية على معلومات من شهود وتسجيلات وغيرها، من غير ان تؤثر على التحقيق بعض التطورات ومنها تراجع الشاهد هسام هسام عن افادته الاولى، والتي رأت سوريا ومؤيدوها بأنها احدثت شرخاً عميقاً في التحقيق.

وعلى رغم ان واشنطن كانت ترغب في ان يوافق القاضي ميليس على تمديد انتدابه بضعة اشهر ادراكاً منها للمضاعفات السياسية والنفسية لاستقالته والتي ستفسرها سوريا وانصارها بانها دليل آخر على ان التحقيق سيصل الى طريق مسدود، فانها لا ترى ان رحيل ميليس سيؤثر عملياً او في العمق على مجرى التحقيق. وقالت المصادر ان مجلس الامن سيعمل بسرعة على تمديد مدة عمل لجنة التحقيق الدولية، وان ثمة اربعة خلفاء محتملين لميليس بينهم اثنان بلجيكيان وبرتغالي وروماني.