بلال الحسن/الشرق الأوسط

تنشغل إسرائيل حاليا بالمعركة الانتخابية، وتبرز في هذه المعركة مواضيع عدة تركز على الوضع الداخلي، وبخاصة على التغيرات الحزبية الجديدة التي شهدت انقسام الليكود، وتشكيل آرييل شارون لحزب كاديما (إلى الأمام)، وانحياز شيمعون بيريس القائد العمالي التاريخي إلى جانب شارون صاحب التاريخ اليميني المتطرف، ونجاح عمير بيريتس بزعامة حزب العمل، والذي أعاد المطالب الاجتماعية إلى واجهة العمل السياسي، بعد أن أخلت مكانها طويلا للقضايا الأمنية.

ومع ذلك فقد عاد موضوع الأمن ليفرض نفسه على الجميع من زوايا متعددة. أولها العمليات الفدائية الانتحارية وعودتها بالرغم من الجدار العازل الذي تم بناؤه لمنع تسلل الفدائيين، وظهر واضحا أنه لا يستطيع أن يضمن الأمن بالكامل. ويليها إقدام بيريتس على الإدلاء بتصريحات أمنية أثارت نقدا واسعا ضده، واعتبر الكثيرون أنه يحاول أن يلعب لعبة الجنرالات التي لا يتقنها، مع أنه أحاط نفسه بثلاثة جنرالات قدامى ليلبي رغبة الجمهور الإسرائيلي برؤية نجوم عسكرية يرتاح إليها، ثم الانشغال طويلا بموضوع ايران والحديث المتواتر عن سلاحها النووي. وهنا طرح السؤال الكبير: هل مواجهة سلاح ايران النووي (إن وجد) مسؤولية إسرائيلية أم مسؤولية دولية؟ وبالرغم من رغبة إسرائيل الشديدة بأن تلعب دورا اساسيا في التوجه نحو تدمير المفاعلات النووية الايرانية، إلا أن التقارير العسكرية الأميركية أفادت أن إسرائيل عاجزة عسكريا عن أداء هذه المهمة، وتم نشر مضمون هذه التقارير في الصحف الإسرائيلية.

وبرز في خضم الحملة الانتخابية حديث موثق عن التعاون الإسرائيلي ـ الكردي في العراق. وإذا كانت المعلومات السابقة عن هذا الموضوع عامة ومبتسرة، فإن المعلومات المنشورة حديثا مطولة وموثقة بالتواريخ والأسماء، وهي تتحدث عن تعاون عسكري كبير، كما تتحدث عن تعاون اقتصادي أهم ما فيه بناء مطار حديث قرب أربيل. وقد تم نشر هذه المعلومات على مدى يومين (1 و2/12/2005) في صحيفة يديعوت أحرونوت، وهنا أبرز ما جاء فيها:

التدريب: أقامت الشركات الإسرائيلية في منطقة صحراوية نائية في شمال العراق موقعا سريا يتخذ الرمز (Z). تجري في هذا الموقع تدريبات على السلاح، ومدربو الأكراد هم إسرائيليون من خريجي الوحدات القتالية المختارة، ممن يدخلون ويخرجون إلى العراق عبر الحدود التركية، بجوازات سفر إسرائيلية، في ظل التظاهر بأنهم مهندسو طرقات وخبراء زراعيون.

في بداية العام 2004 بدأ الإسرائيليون بالوصول إلى العراق بصورة حذرة، حتى لا يثيروا انتباه الأتراك في المعبر الحدودي. هدفهم كان إعداد المقاتلين الأتراك. طولب الإسرائيليون بالصمت، وعندما سئلوا إلى أين هم مسافرون عرفوا أن من المحظور عليهم أن يقولوا أنهم متوجهون إلى كردستان. وفي المحطة الحدودية يكون بانتظارهم ميني حافلة لنقلهم إلى مكان مجهول بجانب قرية (زافيتا). هذا المكان المجهول سمي (Z)، مكان بعيد عن الأعين وبعيد عن المدن، ومن خلف الجدران بنيت قاعدة تدريب مع تجهيزات، وجرت فيها كل عمليات التدريب خلال فترة طويلة. قام الإسرائيليون بتدريب بعض الأكراد على السلاح، ولم يكتفوا فقط بإقامة وحدة مقاومة الإرهاب، وإنما قاموا أيضا بتدريب مقاتلات كرديات. الأكراد الذين دربوا في الموقع (Z) عرفوا أن المدربين إسرائيليون. العلاقات في البداية كانت حذرة، الإسرائيليون طولبوا بأن يتحدثوا بالانجليزية وعدم إظهار هويتهم، لكن الحواجز سقطت بعد ذلك واصبح من الصعب الحفاظ على السر.

في إحدى الليالي وصل إلى القاعدة مسؤول كردي، وصل محاطا بمرافقيه، وجلب معه حركة فزعة، وكان عصبيا وهائجا، وقال عليكم أن تغادروا المكان، وأضاف: بأكبر سرعة ممكنة. لماذا؟ لأن السر الأكبر بوجود إسرائيليين في المكان تسرب إلى الخارج. عملاء التجسس الإيرانيون بدأوا يتجولون في المنطقة، ومن الممكن أن ينتهي الأمر بكارثة فظيعة لو نجح المتمردون في السيطرة على الموقع الإسرائيلي. تخيل المسؤول الكردي فزعا اختطاف إسرائيليين لتتحول المسألة بسرعة إلى مسألة عالمية متفجرة. كان هذا المسؤول قلقا من كشف النقاب عن علاقته الخفية مع إسرائيل.

المطار: في العشرين من أيار 2004، وفي مطعم من مطاعم تل أبيب، التقى عضو كنيست اسرائيلي ومسؤول امني سابق في اسرائيل، برفقة عدد من المسؤولين الإسرائيليين الكبار مع بعض المسؤولين في الشركات الغربية التجارية وادار الاجتماع وسيط، هو شخص معروف، وهو الشخص المركزي في الحكاية، الذي كان يحرك الاجتياح الاسرائيلي للعراق.

في أواخر التسعينات، وبعد أن خرج المسؤول الاسرائيلي من عمله السابق، شكل مع مسؤول شركة تجارية للاستشارات الاستراتيجية ومن هذا الموقع قاد المسؤول الاسرائيلي عملية الدخول الضخمة إلى شمال العراق، وكان ذلك عبر شركة انبثقت عن الشركة الأصلية وسجلت في بلد اوروبي، وهي المسؤولة عن المشروع العراقي.

المشروع الأول كان بناء المطار، مطار (هولر) المجاور لمدينة أربيل، الذي أراده الأكراد مطارا دوليا مع منظومة متطورة من الحراسة.

في شهر كانون الثاني 2004 أصدر مسؤول كردي وثيقة كتب في أعلاها «الموضوع أجهزة لكشف المواد الناسفة. الأجهزة مخصصة من أجل العمل في مطار (هولر) الكردي بجانب أربيل ومن أجل حماية المطار». وخصص لهذه الأجهزة 100 مليون دولار. وعلى الفور بدأت حركة غير عادية في معبر المثلث الحدودي (سوريا ـ العراق ـ تركيا)، البوابة الرئيسية لشمال العراق. الأتراك يفتحون عيونهم المرتابة على هذا المعبر محاولين اكتشاف من يشتبه به. إلى داخل هذا المعبر وصل كثير من الإسرائيليين خلال السنة والنصف الأخيرة.

من المحتمل أن يكون المهرجان قد اوشك على الانتهاء. الأكراد يواجهون صعوبة في مواصلة المسرحية. كل تلميح ولو صغيرا في صحيفة سعودية حول المشاركة الإسرائيلية في كردستان سيكون نهاية للتجارة المزدهرة، ونهاية لحرية التجوال الإسرائيلي في شمال العراق. وعندما دخل المسؤول الكردي الى قاعدة (z) غاضبا، بادعاء أن الاستخبارات الايرانية قد كشفت القاعدة الإسرائيلية، رحل الإسرائيليون من هناك، ليس فورا، وليسوا كلهم، إلا أنهم فروا، وخلا شهر لم يبق أي إسرائيلي هناك.

تشارك في هذا العمل الإسرائيلي داخل منطقة الأكراد في العراق، شركات شركات تجارية غربية. وتعلق احدى هذه الشركات على نشر هذه المعلومات واصفة شركتها بـ«العالمية هي شركة متعددة الجنسيات، وكل نشاطاتها تتم بموجب القوانين، وقوانين الدولة المحلية». وعلقت شركة اخرى قائلة «الشركة هي شركة عامة، تباع أسهمها وتشترى في بورصة الأوراق المالية، وهي تبلغ عن نشاطها كما ينبغي وبموجب القانون». أما المسؤول الاسرائيلي فيقول: أنا الذي قدت عملية الدخول الضخمة الى شمال العراق. وسئل هل التقيت مع الأكراد؟ فقال: التقيت مع ممثل الاكراد وهو طلب مني أن اساعدهم في أعمال الوساطة لتحسين صورتهم أمام الإدارة الأميركية.

ما مضى ليس إلا نموذجا من أمثلة كثيرة.