الشرق الأوسط

يقوم المنتجون في الاستديوهات الفنية للمركز الإعلامي في فايتفيل بنيويورك يوميا بإعداد الموسيقى والأخبار لتجهيزها الى محطات راديو أو قنوات تلفزيونية قريبة لمشاهديها. فالكتّاب الذين ينشرون في الصحف والمجلات في بغداد وكابل يتحادثون مع بعضهم البعض عبر مؤتمرات هاتفية. وهناك عربات مزودة بأجهزة تكنولوجيا عالية تنتظر في الخارج للأزمة المقبلة.

والمركز ليس جزءا من وكالة أنباء، بل هو عملية عسكرية، وأولئك الكتّاب والمنتجون هم جنود. وأصبحت وحدة العمليات السيكولوجية البالغ عددها 1200 عسكري والمتمركزة في قاعدة «فورت براغ» كما يسميها الضباط هناك بـ«الرسائل الصادقة» لدعم أهداف الحكومة الأميركية. ومع ذلك فإن قائد هذه الوحدة يعترف بأن تلك القصص منحازة وأن الإشراف الأميركي مخفي عن الأنظار.

وقال الكولونيل جاك سوم الذي كان رئيسا لمجموعة العمليات السيكولوجية «نحن نسمي موادنا بمعلومات، ومواد العدو بالبروباغاندا. وحتى في البنتاغون «هناك بعض المختصين في العلاقات العامة بشكل غير مؤيد لنا، بل البعض منهم يعتبروننا محتالين وكذابين».

وأثارت المعلومات الأخيرة عن وجود متعاقدين مع البنتاغون يدفع للصحف العراقية كي تنشر مقالات تتضمن «أخبارا حسنة» كتابها جنود أميركيون، ردود فعل ساخطة في واشنطن، وقال عدد من أعضاء الكونغرس إن هذه الممارسة تقوض مصداقية الولايات المتحدة، لكن البيت الأبيض والمسؤولين العسكريين الكبار أنكروا أن يكونوا على علم بها. وقال ستيفن هادلي، مستشار الرئيس بوش للأمن القومي، إن هذه الأخبار سببت «تعكيرا» كبيرا للرئيس بوش. ويقوم البنتاغون بالتحقيق في هذه القضية.

لكن عمل المتعاقد، لينكولن غروب، لم يكن عملية مارقة، بل فتحت مواجهة المشاعر المضادة للولايات المتحدة في العالم الاسلامي وظلت إدارة بوش تشن حربا إعلامية مكلفة وغالبا ما تكون مخفية عن الأنظار حسبما جاء في الوثائق والمقابلات مع المتعاقدين والمسؤولين الحكوميين.

وبدأت الحملة من قبل البيت الأبيض والتي شكلت لجنة سرية بعد هجمات 11 سبتمبر للتنسيق ما بين العمليات المعنية بالمعلومات من قبل البنتاغون ووكالات حكومية أخرى مع متعاقدين خاصين.

وفي العراق وأفغانستان كان التركيز الأساسي منصبا على الأنشطة ومحطات الراديو التي يديرها العسكريون والصحف من دون الكشف عن خيوط الارتباط الأميركية. وتلك المحطات تنتج مواد الأخبار التي تنسبها في بعض الأوقات إلى «المركز الإعلامي الدولي» الذي يصعب تعقبه.

ويقول لنكولن إن هذا المركز نشر أكثر من 1000 مقالة في الصحافة العراقية والعربية ووضع افتتاحيات صحافية في موقع عراقي على الإنترنت، كما تظهر وثائق تعود للبنتاغون. ولبذل جهد إضافي ضمن مساعي الإقناع خاصة في بلدان الجوار قدم لنكولن خططا رفضت لاحقا لصحيفة سرية ولأخبار تلفزيونية وكوميديا لمكافحة الإرهاب تستند إلى قصة «الأضحوكات الثلاث».

ومثلما هو الحال مع شركة «لنكولن غروب» تدفع الوحدات الخاصة بالعمليات السيكولوجية التابعة للقوات البرية من أجل أن يتم إيصال رسالتها وهي تقدم لمحطات التلفزيون الأموال كي تبث مقاطع بدون الإشارة إلى من يقف وراءها، أو التعاقد مع كتّاب من الصحف نفسها حسبما قال مسؤولون عسكريون.

وقال الكولونيل جيمس تريدويل، الذي يدير عمليات سيكولوجية في قيادة العمليات الخاصة بتامبا «نحن لا نريد شخصا يقوم بمشاهدة المنتج نفسه او عمل الحكومة الأميركية ثم يقطع صلاته بنا لاحقا».

وتلعب نفس الدور الإعلامي «وكالة الولايات المتحدة للتنمية الدولية» أحيانا. فهذه الوكالة تدعم ماليا ما يقرب من 30 محطة راديو في أفغانستان، لكنها لا تخبر المستمعين بذلك. وقد وفرت هذه الوكالة عشرات الألوف من الأدوات الشبيهة بـ«آي بود» الخاصة بالراديو في العراق وأفغانستان وهي تتضمن رسائل مسجلة عليها مسبقا لكنها تقوم بكل ذلك من خلال متعاقد يعد «بعدم ترك أي أثر لتدخل من قبل الحكومة الأميركية».

ويقول المدافعون عن الحملات الهادفة لكسب التأثير على الشارع المسلم إن «العمليات السيكولوجية هي جزء أساسي من الحرب وهي أكثر أهمية في العصر الإلكتروني»، حسبما قال تشارلز كروهن، المتحدث المتقاعد باسم القوات البرية والبروفسور في ميدان الصحافة، وأضاف «إذا كنت تريد أن تغزو بلدا وتسقط حكومته ثم تحتل أراضيه فإن عليك في هذه الحالة أن تخبر الناس الذين يعيشون هناك لماذا أنت قمت بذلك. وهذا يتطلب برنامج اتصالات مشغولا عليه من الناحية الذهنية كثيرا».

وبعد ان أرغمت هجمات الحادي عشر من سبتمبر الكثير من الأميركيين على ادراك موقف البلاد غير المستقر في العالم العربي قررت ادارة بوش العمل من أجل تحسين صورة البلد والترويج لقيمه. وتوجه البيت الأبيض الى جون ريندون، الذي يدير شركة اتصالات في واشنطن، للمساعدة على التأثير في الجمهور الأجنبي. وقبل الحرب في أفغانستان ساعد على انشاء مراكز في واشنطن ولندن وباكستان حتى يمكن للحكومة الأميركية ان تستجيب على نحو سريع في وسائل الإعلام تجاه مزاعم طالبان. وقالت ماري ماتالين، التي كانت مساعدة شؤون الاتصالات لنائب الرئيس ديك تشيني في حينه «كنا بدون أفكار وحلول».

وكانت شركة ريندون، التي تسمى مجموعة ريندون، تمتلك تاريخا من العمل الحكومي في المناطق الساخنة. وفي سنوات التسعينات كلفته وكالة المخابرات المركزية سرا بمساعدة المؤتمر الوطني العراقي الناشئ على شن حملة علاقات عامة ضد صدام حسين. وبينما كان ريندون يقدم المشورة للبيت الأبيض وقع عقدا للعمل مع رئاسة هيئة الأركان بقيمة 27.6 مليون دولار لإدارة فرق عمل في مختلف أنحاء العالم والقيام بتحليلات إعلامية لقنوات إعلامية مثل محطة الجزيرة التي تتخذ من قطر مقرا لها.

وفي حدود الفترة نفسها كلف البيت الأبيض جيفري جونز، الكولونيل السابق في الجيش الذي ادار مجموعة فورت براغ للعمليات السيكولوجية، للتنسيق في إطار حرب المعلومات. وترأس لجنة سرية، لم يجر الحديث عن وجودها في السابق، وكانت تتعامل مع كل شيء من الدبلوماسية العلنية التي تشتمل على برامج التعليم والمساعدات والتبادل، الى العمليات الإعلامية السرية. وتمكن مجمع لنكولن من الحصول على عقود من البنتاغون في منطقة حرب بقيمة 25 مليون دولار.

وقبل المجيء الى واشنطن وتأسيس شركة لنكولن عام 2004 كان كريستيان بيلي، الذي ولد في بريطانيا ويبلغ الآن الثلاثين من العمر، قد عمل لفترة قصيرة في كاليفورنيا ونيويورك. وكان بيج كريغ، البالغ الآن 31 عاما، ضابط استخبارات سابق في المارينز. وعندما تأسست الشركة العام الماضي حاملة اسم «اراكيكس» كان هدفها المعلن تقديم خدمات الدعم لتنمية المشاريع والتجارة والاستثمار في العراق. كما بدأت الشركة مطبوعة بزنس على الإنترنت لم تستمر طويلا.

وفي أواسط عام 2004 أقامت المجموعة شراكة مع مجموعة «ريندون» وحصلت في وقت لاحق على عقد من وزارة الدفاع بقيمة خمسة ملايين دولار لحملة إعلانات وعلاقات عامة.