إياد أبو شقرا/الشرق الأوسط

ليعذرني إخوتي الإسلاميون، بمعتدليهم ومتشدديهم، إذا قلت إن تصدر «الإخوان المسلمين» قوى المعارضة المصرية تطوّر لا يزعج مخططي الفتن المعدة للعالمين العربي والإسلامي، بل على العكس، يشكل ذريعة إضافية لمضيهم قدماً بمحاولات «حماية الأقليات»، وتكثيف «الحرب على الإرهاب»، وتكليف أعداء من أمثال دانيال بايبس في الولايات المتحدة، والبارونة كارولين كوكس في بريطانيا، وميشال ويلبيك في فرنسا، واوريانا فالاتشي في ايطاليا... بتعريف الإسلام وتقديم الوصفات الناجعة لـ«التعايش» بين الأديان.

أنا أزعم أن في صميم الإشكالية الفكرية والسياسية التي يعيشها العالمان العربي والإسلامي إحباطا فظيعا يتجلى في الشعور بالحاجة إلى مواجهة استعمار شرس وإمبريالية جامحة وتعصب تمييزي مرير يمارسه الغرب، بأسلوب صِدامي لا يقل شراسة وجموحاً وتعصباً تمييزياً.

ولكن ما يزيد الإشكالية تعقيداً أن الغرب، الذي يضع قواعد اللعبة ويمسك بخيوطها «الأخلاقية»، متطور إدارياً وقانونياً وسياسياً وعسكرياً... إلى درجة سهلت له، بل «شرعنت» ـ وفق القوانين الدولية ـ تعريف «الإرهاب» والاتفاق على عقوباته، ناهيك من اختيار مكان وزمان وسلاح المواجهة مع هذا «الإرهاب».

عود على بدء، أنا لا أسعى البتة إلى ربط جماعة لها تاريخ «الإخوان المسلمين» وحضورهم بما مورس خلال السنوات الأخيرة من عنف أعمى ابتداء من مهاجمة برجي «مركز التجارة العالمي» في نيويورك مروراً بجزيرة بالي الإندونيسية وانتهاء بتفجيرات مدريد ولندن.

لا... أبداً.

لكن من يتحكمون بإيقاع «صراع الحضارات» لا يقيمون وزناً للفوارق الجوهرية بين المعتدلين والمغامرين التكفيريين، بل يتعمدون الربط بينهم... خدمةً لمشروعهم التفتيتي والتدميري لعالمنا العربي والعالم الإسلامي الأوسع. وعليه لا أشك في أن الترجمة التفسيرية لشعار «الإسلام هو الحل» تنزل برداً وسلاماً على النافخين في بوق التحريض على حسم معركة «أرماجدون»، ممن يرون أن هذا الشعار يستبطن فرض الإسلام على غير المسلمين أو اعتبار وجود هؤلاء «مشكلة» تحتاج إلى «حل».

ولكن لماذا نغمط «الإخوان» في مصر و«حزب الله» في لبنان و«المجلس الأعلى للثورة الإسلامية» في العراق و«جبهة الإنقاذ» في الجزائر... وغيرهم من القوى الإسلامية حقهم إذا كانوا قد نجحوا في إقناع الناس بصدقيتهم، وبأنهم هم «الحل»، بينما أخفق خصومهم في ذلك؟

لماذا لا يجرّب ناخبو هذه الدول التصويت لهذه القوى غير المجرّبة من قبل، والتي لم تتلوث بعد بالقمع والفساد والوطنية الزائفة، طالما ان الخيار الآخر محصور بين سلطات حاكمة ترفض الحوار وترى أن لها «حقاً سماوياً» في الحكم إلى الأبد، وأحزاب معارضة مروّضة مدجنة ارتضت لنفسها دور «الكومبارس» في كرنفال رخيص؟

البديل الديني، في واقع الأمر ليس «الحل»، وخصوصاً في دول تعددية، بل هو صوت الاعتراض. وبالفعل أحجم «حزب الله» مثلاً عن الدعوة إلى «دولة لبنانية إسلامية» حين أدرك هذا الواقع، وسعى «الإخوان» في مصر ـ ولكن من دون نجاح يذكر ـ إلى تلطيف شعاراتهم، وحرصت بعض القيادات الشيعية العراقية على الانفتاح على طوائف العراق الأخرى.

ولكن لجوء الأحزاب الدينية إلى انتهاج «البراغماتية» السياسية لا يحل ـ ولن يحل ـ أزمة الأنظمة السلطوية الأحادية والمعارضات المفلسة. والمضحك المبكي في هذا «السيناريو» أن التعايش الانتهازي بين الأنظمة وقوى «المعارضة المدجنة» هو ما أسهم في تكفير الناس بالجانبين وتحفيزهم إلى تجربة الخيار الثالث.

إن خاتمة مشوار شخصيات تقدمية وليبرالية في مصر عبر صناديق الاقتراع من المشاهد التي لا تسر أي مراقب حريص على تعايش حضاري وتقدمي وديمقراطي. غير أن المعارضة التقليدية استحقت الهزيمة لأنها أخفقت في ممارسة دورها الطبيعي المسؤول وعجزت عن بناء توافق جبهوي وطني ضد السلطة. وفي المقابل أثمر إفراط السلطة في الاطمئنان إلى طول باعها القمعي والتوظيفي (بمعناه الاسترزاقي)... تحوّلاً شعبياً نحو معارضة تخيف السلطة ولا تكتفي بدور زخرفي.

وبالتالي، فما أفرزته الانتخابات المصرية يؤكد من جديد عمق المحنة التي تعيشها المنطقة العربية. لتؤكد التجربة الانتخابية الأخيرة أن أزمة الحكم في مصر جزء من كل.