نجيب نصير

في كلمته التي ألقاها الأستاذ جمال سليمان في ندوة اليوم العالمي لمكافحة الإيدز، يقول:

أتمنى لو ان هذا المرض لم يكن موجودا، ولم يحصد ثلاثون مليونا من البشر، وان كنا نظن ان المرض لن يصل إلينا لأننا ( محصنون أخلاقيا وتربويا ودينيا )ولكن مع الأسف هناك ( 450 ألف ) حالة موجودة في العالم العربي فقط ما يعني انه لم يعد ( غريبا ) عنا بل قريب..قريب منا.

في كلمة سبقت كلمة الفنان جمال سليمان أطلق المتكلم على هذا المرض اسم ( المرض الإفرنجي ) !!!

ملفت هذا التناقض بين الكلمتين، فواحدة تعلن مسؤوليتنا المشتركة مع كل بني البشر:إناس نعيش عصر العولمة والمعلومات، والأخرى تتنصل من المسؤولية على أساس ان الآخر الأجنبي هو المسبب للمرض على أساس ان زمننا الفكري مختلف.

واحدة تبرؤنا أخلاقيا على أساس ان أخلاقنا وتربيتنا لا تسمح بهكذا أمراض، وأخرى تقول ان لا حماية من المرض الا بالوعي المعاصر وبالأخلاق العلمية المعاصرة.

واحدة شوفينية قبلية ترى الخير والجمال فينا فقط، والثانية عقلانية منفتحة تتوسل الأرقام والإحصاءات من اجل المعالجة والتصدي للمرض.

واحدة تقول ان الموضوع ليس أخلاقيا أو تربويا لان المرض موجود على الرغم من الادعاء ان أخلاقنا وتربيتنا من النوع الخصوصي، والأخرى تصر على ان الحماية والوقاية من المرض تتكئ وبشكل أساسي على أخلاقنا وتربيتنا وكأن الإفرنجي بلا أخلاق تذكر.

النظرتين ليستا متكاملتين ولا تخدمان نفس الهدف، فواحدة تهدف إلى الوقاية ومكافحة هذا المرض، والثانية تهدف إلى تشريف أو تجريم المصاب والمسبب، واحدة واقعية علمية معاصرة، والثانية خيالية تنجيمية تعيش للماضي، وحدة تقول ان البشر متوحدون في الملمات والكوارث، وأخرى تتقوقع باحثة عن خلاصها بما هو متاح بين يديها.

الإيدز أو السيدا … مرض معاصر فيروسي المنشأ، ينتقل بعدة عوامل منها الجنس الطبيعي والشاذ، وهو ينتشر بسرعة متوالية حسابية أو هندسية، وتتجه جهود العالم للبحث في معالجته ومقاومته وحساب نتائجه على البشرية، والشق الأخلاقي من الموضوع هو الشق الحضاري الذي لا يرضى الألم والموت للإنسان بهذه الطريقة أو غيرها، والمريض بالإيدز هو مصاب وليس مبتلي، وهو يشبه من حيث المضمون الأخلاقي مريض السارس أو أنفلونزا الطيور غير المؤثمة، ومن الأكيد انه من الوسائل الأخلاقية التي تقاوم الإيدز هي عدم تأثيمه، فالكائن المصاب به هو كائن اجتماعي موجود بين الناس وتأثيم المرض هو دعوة خطيرة، عبر جعله سريا وبالتالي المساعدة على انتشاره.

الإيدز مرض غير آثم انه مرض معاصر يرافق العصر بنجاحاته وإخفاقاته الإنسانية والطريق الوحيدة لمكافحته هي العلم وفقط العلم ولا يتكامل مع هذا العلم اي خطاب توعوي يستثني فئة من البشر ذات أخلاق نتوهم خصوصيتها … لأن هذا التوهم يعني مزيدا من الإيدز. شكرا جمال سليمان لأنك نبهتنا ان هناك إيدز فكري أيضا …..