خيرالله خيرالله/المستقبل

من يخشى المحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري يخشى في الواقع الحقيقة. كل ما عدا ذلك كلام لا معنى له يستهدف التغطية على عملية كشف الحقيقة وعرقلتها ليس الا على طريقة استخدام "الشاهد الظريف" في الفيلم السوري القصير. هذا الشاهد الذي ظهر فجأة في دمشق ليدلي بسلسلة من التناقضات تقود إلى طرح السؤال الآتي: هل في استطاعة النظام السوري التعاون الصريح مع لجنة التحقيق الدولية أم لا؟ هذا هو السؤال الحقيقي الذي يفسّر الى حد كبير التأخير السوري في التعاطي مع لجنة التحقيق من جهة والحاجة إلي ضعوط كبيرة لحمل النظام في دمشق على ارسال مجموعة من المسؤولين الأمنيين إلى فيينا كي يخضعوا للاستجواب فيها من جهة أخرى.

يراهن النظام السوري على الوقت من أجل تفادي الحقيقة ومواجهة الأسئلة الحقيقية التي يفترض أن يجيب عنها، أقله من زاوية أنه كان المسؤول عن كل شاردة وواردة في لبنان لدى اغتيال رفيق الحريري الذي وجه اليه اركان النظام السوري كل أنواع الاتهامات في الأشهر التي سبقت تنفيذ الجريمة.

مرة أخرى ليس في الامكان اتهام النظام السوري بشكل مباشر بأنه وراء الجريمة ما دام التحقيق مستمراً، لكن كل الخطب والتصريحات التي صدرت حتى الآن عن المسؤولين السوريين تصب في اتجاه واحد وحيد هو أن لا أحد يمتلك أدلة على التورط السوري في الجريمة. وبكلام أوضح يكاد المسؤولون السوريون يصلون الى مرحلة يقولون فيها: نعم نحن وراء الجريمة، لكن لا أحد يستطيع أثبات أننا فعلناها. أكثر من ذلك، يكاد المسؤولون السوريون يقولون: لقد خرجنا من لبنان وما الذي نستطيع عمله أكثر من ذلك؟ أليس ذلك كافياً كي تكون هناك مساومة على دم رفيق الحريري؟ اليس ذلك كافياً لتكون هناك صفقة؟

ولكن على ماذا يراهن النظام السوري في سعيه الى شراء الوقت؟ يراهن أولاً على أن العماد اميل لحود لا يزال في بعبدا. وقد أدى الرجل حتى الآن كل المطلوب منه في مجال الإبقاء على وجود معين، ولو محدود، للنظام الأمني السوري ـ اللبناني الذي يقف خلف الجريمة بطريقة أو بأخرى.

والأهم من ذلك أن رئيس الجمهورية في غياب الاتفاق على بديل منه، يتولى حماية يتامى النظام الأمني السوري ـ اللبناني على أمل استخدامهم في الهجوم المعاكس متى سنحت الفرصة، والدليل على ذلك أن يتامى النظام الأمني لم يترددوا لحظة في دعم أقوال "الشاهد الظريف" فور عقده مؤتمره الصحافي في دمشق. وإن دل ذلك على شيء، فانه يدل على أن النظام الأمني المشترك لا يزال ينتظر الفرصة المناسبة للانقضاض على لبنان واللبنانيين مجدداً والعودة بعقارب الساعة إلى خلف.

ويراهن النظام السوري على الكلام الفارغ الذي يقول إن لبنان صار تحت الوصاية الأميركية ـ الفرنسية وانه تخلى، بصفة كونه "ناكراً للجميل"، عن وصاية عربية، سورية تحديداً، لمصلحة وصاية دولية. هذا الكلام الذي يبدو مغرياً كونه ينطلي على السذج، لا قيمة لا لسبب في غاية البساطة هو أنه لا يستهدف سوى الهرب من الحقيقة. فمن يشكو في لبنان من الوصاية الدولية على البلد، وهي وصاية لا وجود لها سوى في الرؤوس المريضة، عليه أن يكون صادقاً مع نفسه وألا يتغاضى عن العملية العسكرية الأميركية التي حصلت في العراق وأدت الى التخلص من نظام كان لا بد من التخلص منه.

هل أميركا ملاك في العراق وشيطان في لبنان؟ هل أميركا تمتلك مشروعاً يمكن التغاضي عنه في العراق والاكتفاء بانتقاده كلامياً في بعض المناسبات، فيما يجب أن تُحارب في لبنان على شيء لم يحصل بحجة أن لديها مشروعها للمنطقة وان البلد صار تحت وصايتها؟

من يريد الحقيقة فعلاً لا يتوقف عند قضية المحكمة الدولية ويسعى إلى عرقلة تشكيلها، علماً بأن القرار بانشاء المحكمة سيؤول في النهاية الى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. انه الجهة التي كانت وراء تشكيل لجنة التحقيق الدولية بموجب القرار الرقم 1559. من يريد الحقيقة فعلاً يعمل من أجل المحكمة الدولية التي هي في النهاية في مصلحة لبنان واللبنانيين وسوريا والسوريين. فالحقيقة هي المطهر الحقيقي للنفوس وهي التي ستفتح المجال أمام علاقات طبيعية أخوية بين الشعبين اللذين لديهما مصلحة مشتركة في الوصول اليها بعيداً عن الشعارات الطنانة التي لن تعيد الجولان مثلما لم تعد في أي يوم ارضاً عربية محتلة.