روزانا بومنصف/ النهار

يكتسب التقرير الجديد للجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري أهمية ليس للتفاصيل الاضافية التي ينتظر أن يتضمنها متقدما على التقرير السابق في 21 تشرين الاول الماضي فحسب، بل في أمرين متوقعين آخرين: أحدهما انه سيثبت وفق معطيات كثيرين الاتجاه الى اتهام دمشق او مسؤولين فيها بالتورط في عملية الاغتيال. فبعدما ألغت المرحلة الاولى كل الاحتمالات الاخرى ستركز المرحلة الجديدة على هذا الاتجاه وتدعمه بالاشارة الى أسماء متهمين بالتورط، وهذا ما عناه رئيس اللجنة ديتليف ميليس بحديثه عن "المشهد السوري" و"المرحلة السورية". هذا الاتجاه يدحض المنحى الذي قامت عليه لجنة التحقيق السورية التي وقعت عليها مسؤولية القول ان ليس من مسؤولين او أشخاص عاديين سوريين متورطين في الجريمة علما ان اللجنة السورية لم تنجح من خلال عرض الشاهد هسام هسام امام وسائل الاعلام في صرف الانظار عن اتجاهات اخرى، ولو لم تكن هذه مهمتها في الاساس. وتبعا لذلك فان من الصعب جدا بعد هذه المرحلة العودة الى الوراء في هذا الشأن.

الامر الآخر هو ان هذا التقرير سيفتح الباب امام التحدي الحقيقي لدمشق لكي تثبت تعاونها الكامل المطلوب مع اللجنة الدولية. فهي اذ تبدو مدركة ما يمكن ان تواجهه، استبقت في الايام الاخيرة صدور التقرير الثاني لميليس بتصريحات ان توقيف أي شخص انما يحتاج الى أدلة دامغة في اشارة الى انها تترقب ما هو أخطر من العقوبات الفردية المحتملة ضد بعض مسؤوليها وهي الاقرار عبر تنفيذ خطوات عملية بمضمون تقرير القاضي الالماني ديتليف ميليس، بعدما باتت على يقين ان التقرير الجديد لن يكون في مصلحتها.

ولهذا، لا يتوقع ان يتساهل مجلس الامن الدولي حيال التعاون السوري ومداه، باعتبار انه سيؤثر على المرحلة المقبلة. ولذلك تضاعفت التوقعات الديبلوماسية عن استمرار الضغوط على سوريا وازديادها وعدم الاكتفاء بما قدمته حتى الآن واعتباره غير كاف في رأي المجتمع الدولي لسبب بديهي هو ان غياب الضغوط سيؤدي عمليا الى انعدام فرص التجاوب السوري.

يضاف الى ذلك توقعات ان يبدد مجلس الامن في ضوء تقرير ميليس الاجواء التي تحدثت عن احتمالات تسوية مع سوريا، وهي احتمالات لم تطاول الشق المتعلق بالعلاقات الاميركية السورية، بل ما يتعلق بالعلاقات السورية – الفرنسية. وقد ساهم تسريب معلومات من الولايات المتحدة كما من دمشق في محاولة اعادة وصل ما انقطع يبن باريس ودمشق من خلال العودة الى أساس المشكلة بحسب ما أشاعت العاصمة السورية حين صدر القرار 1559. ذلك ان سوريا عممت حينئذ مباشرة وعبر حلفائها في لبنان ان السبب المباشر للصدع مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك أتى على خلفية فشل عقد لشركة "توتال" الفرنسية لمصلحة شركة أخرى اميركية مما ساهم في التقارب الاميركي – الفرنسي الذي أنتج القرار 1559 بذريعة التمديد للرئيس اميل لحود وفق ما ساد. ومن هذا الباب بالذات، تردد أخيرا لدى بعض الاوساط عن عقود جديدة للشركة الفرنسية يفترض ان تساهم في تخفيف الضغوط على دمشق، وهو أحد العناصر التي غذت الكلام على احتمالات تسوية او صفقة مع سوريا،ـ غالبا ما تقتصر اعلاميا وسياسيا على صفقة مع الولايات المتحدة، في حين انه وفق ما تردد اخيرا يظهر ان دمشق تسعى الى الموازنة بين الشقين الاميركي والفرنسي وخصوصا ان موقف فرنسا من دمشق لا يقل حدة عنه لدى الولايات المتحدة بل يتخطاه في مسألة اغتيال الرئيس الحريري.

لذلك فانه بعد النفي الاميركي المباشر وغير المباشر لأي صفقة مع دمشق اخيرا، علما ان مسؤولين اميركيين زاروا بيروت في الاشهر الاخيرة كانوا جازمين بعدم امكان حصول أي صفقة او تسوية مع النظام السوري لاقتناعهم بعدم قدرته على اعطاء أي شيء في مقابل هذه الصفقة في حال أرادها الاميركيون حتى لو كان الامر يتعلق بالعراق، يأتي دور فرنسا في اعداد مسودة القرار الجديد ليضع الامور في نصابها الواقعي. اي انه بمقدار ما يصح غياب التسوية مع الولايات المتحدة يغيب هذا الاحتمال ايضا مع فرنسا ولو اختلفت الدولتان في بعض أوجه مقاربة الموضوع السوري.