أدونيس (النهار)

عزيزي غسان،

تعرف خيراً منّا جميعاً، أنت الحكيم الخبير، أن الأبوّة في مثل هذه اللحظة، لا بُدّ لها، فيما تنحني تحت سطوة الفاجعة، من أن تنفجر ايضا كأنها أرض لانبجاس الينابيع.

وأعرفُ أنك الأعمق تساؤلاً وقلقا حول ما يبدو أنه يُفرَض علينا في لبنان: ألا نعيش إلا مع الاشباح، أشباح الخراب والقتل. لا خراب المادة وحدها، أو الجسد وحده، بل كذلك خراب الروح والعقل والفكر. الحياة – منقوعة في جثة متنقلة، والانسان – مصبوباً في هيكل من الرعب: ذلك هو لبنان الذي يراد لنا اليوم.

يُراد لنا أن نغدو محشورين في موقف نبدو فيه كأن الموت – قتلاً، هو وحده الذي نراه أمامنا. كأنما يُفرض علينا جميعاً ان نعلن الخوف وأن نستسلم له.

في تجربتك الفذّة، في حياتك الملحمية، أيها الصديق العزيز، ما يعلمنا التغلّب على المخيف والفاجع، وما يدفعنا الى أن نفتح أحضاننا للحقيقة، ولحقّنا فيها الذي هو حقنا في الحياة.

وفيهما كذلك ما يقول لنا: إن كان لا بدّ من الموت – قتلاً فَلْنَمُتْ ونحن واقفون على ذروة الضوء.