حسام عيتاني/السفير

غداة اغتيال النائب جبران تويني لا بد من تذكير القابضين على أجهزة التفجير، بالنقاط الاساسية الآتية:

ان لبنان، هذا الكيان المصطنع الذي تأسس وفق اتفاقية سايكس بيكو وفق الرواية <<العروبية>> المعتمدة، أصبح دولة ناجزة الاستقلال لا تقل شرعية عن أي دولة اخرى في العالم، وخصوصاً القطر العربي السوري. لبنان ليس <<إقليماً سليباً>> ينبغي تحريره وإعادته الى الوطن الام.

ان الحكم في سوريا ليس المرجع الصالح للقيام بدور الوصي على لبنان، خصوصاً بعد التجربة المريرة في الاعوام الخمسة عشر الماضية. واذا كان من مصالح لسوريا في لبنان، فضمان المصالح هذه يكون عبر الدولة اللبنانية وهيئاتها الشرعية وليس من خلال الترهيب والتهديد والاغتيالات. إضافة الى ان ليس لدى الحكم في دمشق ما يفيد به اللبنانيين لناحية المواعظ والارشادات في العروبة أو الديموقراطية أو الحكم الصالح وخصوصا في العداء لإسرائيل (راجع تاريخ المقاومة اللبنانية منذ ايلول 1982 حتى اليوم).

ان الخيارات السياسية الكبرى في لبنان ما زالت حتى اللحظة متناغمة مع خيار المقاومة ومع عدم السقوط في وصايات أجنبية جديدة. وقد برهنت المواقف السياسية المعلنة منها على الاقل في أعقاب العملية التي نفذها حزب الله في الواحد والعشرين من تشرين الثاني الماضي، ان اللبنانيين وان كانوا غير مجمعين في موضوع المقاومة، إلا انهم غير مجمعين ايضا على اعتبارها مشكلة عاجلة وانهم قادرون على إدارة اختلافاتهم سياسياً. عليه تكون الاتهامات السورية لشرائح واسعة من اللبنانيين بالارتماء في أحضان اسرائيل أو الولايات المتحدة، مجرد ترّهات دعائية لغايات التحشيد الداخلي.

الازمة الداخلية السورية لن تجد حلولاً لها بواسطة تسعير العداء للبنان واللبنانيين وخلق ايديولوجيا <<القلعة المحاصرة>> والهروب الى الامام، بل من خلال إطلاق حوار داخلي يرتكز على الاعتراف بكل مكونات المجتمع السوري والاعتراف ولو لمرة واحدة بأن الازمات المتنوعة التي تواجه سوريا ليست ناجمة كلها عن <<مواقفها المبدئية والثابتة في مواجهة الهجمة الامبرالية والصهيونية>>، بل ان أكثرها مرتبط ارتباطاً وثيقاً بطبيعة الحكم القائم هناك منذ أكثر من اربعين عاما.

ان نافذة الفرص التي فتحت في الاسابيع التي أعقبت تقديم القاضي ديتليف ميليس تقريره الاول لإيجاد مخرج من الازمة الراهنة التي تواجه لبنان وسوريا وتوفير ما يمكن ان يوصف <<بالهبوط الآمن>>، هذه النافذة قد أغلقت بأيد سورية يعتبر أصحابها أن كل ما جرى وما سوف يجري يصب في خانة تهيئة الاجواء الملائمة لتعرية دمشق من أوراق القوة التي في حوزتها.

صحيح أن اغتيال جبران التويني قد يبدو في التوقيت عملا استفزازيا ضد المجتمع الدولي المراقب للسلوك السوري، إلا ان هناك سابقتين يمكن أن تصبا في الاطار ذاته: محاولة اغتيال النائب مروان حمادة التي وقعت قبل ساعات من تقديم التقرير الاول بشأن الالتزام بتنفيذ القرار 1559، ومحاولة اغتيال الزميلة مي شدياق وقد جاءت بعد ساعات من محادثات على مستوى القمة في القاهرة تركزت على الموضوع اللبناني السوري. الحوادث الثلاثة المذكورة تشير الى أمرين: لا يمكن بناء نظرية متكاملة حول تعمّد سوريا القيام باستفزازات من خلال الاغتيالات في لبنان، لكن في المقابل، يتوافق توقيت هذه الاعمال مع الحاجة الرسمية السورية الى توجيه رسائل <<قوية>> عن القدرة على قلب الطاولة اللبنانية وفي أي لحظة ومهما بدت حرجة بالنسبة الى الحكم.

ان الوهم القائل بتجنيب سوريا خضات داخلية قد تكون الولايات المتحدة في صدد الاعداد لها بأن يجري افتعال مشكلات أمنية خطيرة في لبنان، سيثبت هذه المرة انه لم يعد قابلاً للتطبيق وفق الصيغة التي اعتمدت في الثمانينيات.