تريش شو/سيريا نيوز

أما الدورالأمريكي الإسرائيلي الأكثر حداثة فقد بدا منتصف تشرين الثاني عام 2004. إذ تمت الدعوة لمظاهرة من قبل الجنرال السابق ميشيل عون ( الذي أدلى بشهادات امام الكونجرس عام 2003 والذي يفضله الكونجرس كرئيس للبنان مابعد الأسد).

فقام دبلوماسيون أمريكيون بتدريب مجموعة من الشباب المغفلين على تقنية "U" الثلاثية للمخابرات المركزية الأمريكية وهي (اضطرابات المدن الخارجة عن السيطرة) وأفادت مصادر المعارضة أن السفارة الأمريكية قد نظمت مسيرة من حوالي 3000 شاب معظمهم من الطلاب المسيحيين الناشطين الذين يرددون (السوريون برّا). وافادت وكالة الأسوشييتد في 19/11/2004 أن "أحد المتظاهرين ناشد الرئيس الأمريكي وهو يحمل لافتة تقول : "ساعدنا يابوش لإنقاذ لبنان". ومتظاهر آخر وهو يرتدي زي ابن لادن كتب على صدره "الإرهاب السوري" وكان يوجه مسدسا بلاستيكيا على رأس متظاهر آخر يلف نفسه بالعلم اللبناني.

وقد سمحت شرطة الشغب لهذه المظاهرة (وهي بروفا على ثورة الأرز) أن تقوم دون توقيف احد بناءً على صفقة مع السفير الأمريكي جيفري فيلتمان. والسفير فيلتمان الذي له علاقة وثيقة مع شارون وكارل روف مرتبط بمكتب الخطط الخاصة في وزارة الدفاع الأمريكية المكتب الذي لفق الدليل المزيف و"السحابة النووية" كي يبرر الهجوم على العراق. ولكن تم الرد على هذه المسيرة التدريبية بمسيرة مضادة من 300.000 شخص في 30/11/2004 احتجاجا على قرار 1559.

وعندما بدأت المسرحية الحقيقية بعد موت الحريري كانت مسيرة رفع الأعلام على الطريقة الأمريكية جاهزة سلفا. لقد أكد موقع Janes.com أن المظاهرات المبهرجة كانت تخطط لها واحدة من أكبر وكالات الإعلان اللبنانية ووكالة "ساتشي وساتشي" الموجودة في لندن. وقد ساهم ميخائيل نقفور من شركة إدارة الحوادث... في إدارة المخيم في ساحة الحرية من خلال تقديم الطعام وتوزيع الأعلام والمؤن والمؤثرات المسرحية لدرجة جعلت هدية محمدي من معهد المشاريع الأمريكي تقول مدهوشة " من كان يتصور ان يرى ملصقات في قلب بيروت وعليها صورة جورج بوش بين الأعلام الأمريكية واللبنانية" (نيويورك سَن 18/3/2005).

وشعرت بالدهشة ايضا المراسلة ماري ويكفيلد من صحيفة "سبيكتيتر". وقالت "حوالي ألف من الناس. هذه اشبه بحفلة غنائية من مسيرة. شباب بجاكيتات سوداء وحول أعناقهم شعارات الاستقلال إضافة إلى شاشات على يمين المنصة ويسارها لتصوير الموجودين. وعلى يسار الخطيب يقف شخص ببدلة سوداء ونظارات شمسية وسماعات في أذنيه وهو الذي يقود الحضور. أحيانا يرفع ذراعيه داعيا إياهم لزيادة الصراخ واحيانا يسكتهم بإشارة منه. "سورية برا. سورية براز سورية برا". أما مساعدو إخراج المسرحية فقد كانوا مشغولين قرب عربات البث المليئة بأجهزة المراقبة ومكبرات الصوت. الحقيقة انه تم التخطيط والتقديم لثورة الأرز كما حدث في ثورة أوكرانيا البرتقالية أو ثورة جورجيا الوردية. ألا يكفي أنها جميعا تصب في المصلحة الأمريكية ليعرف المرء أن هذه الثورات من صنع أمريكا؟" (ثورة تلفزيونية 12/3م2005).

ولم لا؟ لقد اكدت صحيفة نيويورك بوست "أن مصادر من الاستخبارات الأمريكية قد أكدت للصحيفة أن وكالات المخابرات الأوربية والمخابرات المركزية الأمريكية يقدمون سرا المال والدعم اللوجستي للذين ينظمون المظاهرات ضد سورية والغاية هي زيادة الضغوط على الرئيس السوري بشار الأسد لينسحب نهائيا من لبنان. وأفادت المصادر أن البرنامج السري شبيه بالدعم السابق للحركات المنادية بالديمقراطية في جورجيا واكرانيا والتي قادت إلى القيام بمظاهرات سلمية." (8/3/2005).

في شوارع بيروت كشف المشروع الشعبي "نبض الحرية" بشكل غير مباشر عن أصوله الأمريكية من خلال استخدام إجراءات مسرحية في الشوارع لاتستخدم إلا في الولايات المتحدة حصرا. وفي زلة تشبه ماحدث في ساحة الفردوس في بغداد عندما قام الجنود الأمريكيون بتغطية تمثال صدام حسين بالأعلام الأمريكية أو ماحدث في جورجيا عندما قامت الفرقة الموسيقية العسكرية بعزف النشيد الوطني الأمريكي في الثورة الوردية بدلا من النشيد الوطني الجورجي قام جماعة "نبض الحرية" في بيروت بتصوير النصب التذكاري على شكل تمثال الحرية. وقامت جمعية "روح أمريكا" المدنية التي أسست "جمعية "نبض الحرية" اللبنانية بتزويد المتظاهرين بساعة الحرية الالكترونية التي يبلغ حجمها حجم لوحات الإعلان لتوضع في ساحة الحرية من أجل العد التنازلي للوصول إلى لحظة الحرية. وقد ساهمت التبرعات المعفاة من الضرائب والتي تقدم لحمعية "روح امريكا" في الإنفاق على الطعام في الخيم والمأوى والضروريات الأخرى "حتى يتمكن المتظاهرون من الاستمرار في الضغط من أجل التغيير السياسي ولفت انتباه العالم إلى نضال اللبنانيين من أجل الاستقلال." وأنتجت "روح امريكا عددا من كتّاب الثورات ومن اهمهم مايكل توتين الذي كان يعمل عند رئيسه جيم هيك مؤسس جمعية "روح أمريكا".

تعتبر "روح امريكا" وهي جمعية خيرية مسجلة مثالا على صناعة تغيير الأنظمة. وعمل مستشارا لها السفير الأمريكي مارك بالمر نائب رئيس مجلس دار الحرية والشريك المؤسس لمؤسسة الدعم القومي للديقراطية. لقد عمل بالمر كاتب خطابات لثلاثة رؤساء امريكيين وستة وزراء خارجية. وساعد الحكومة الأمريكية في زعزعة سلوبودان ميلوسفتش ومعمر القذافي. وتوج مهاراته في الثورات اللونية بتأليف "تحطيم المحور الحقيقي للشر: كيف تطيح بآخر طغاة العالم دون إطلاق طلقة واحدة؟"

ومن إداريي "روح أمريكا "الجنرال مايك ديلونج وهو نائب القائد في القيادة المركزيةالأمريكية في قاعدة ماجديل الجوية في فلوريدا. ويدير ميزانية قدرها 8.2 مليار دولار وهو الذي "أبدع الحرب العالمية على الإرهاب وبدا يتنفيذها… وعملية الحرية العراقية". كنائب أول للجنرال تومي فرانكس تشمل الخبرات التي جنّدها في عدة أماكن مثل كلية الحرب العسكرية,ومديرية الدفاع, ومدرسة الحرب البرمائية على المدفعية والمخابرات العسكرية والانقلابات ودعم "الديقراطية". و يدّعي ديلونغ في سيرته الذاتية "داخل القيادة المركزية" أن "سورية ترسل المعدات العسكرية التي تشمل أجهزة الرؤية الليلية إلى العراق". ولكن أكدت صحيفتا نيويورك تايمز وواشنطن بوست فيما بعد أن هذه المعلومات ذريعة ملفقة. كذلك أكد تشارلز دولفر من فريق المراقبة للأمم المتحدة أن تهمة أسلحة التدمير الشامل قد بالغ فيها جون بولتون السفير الأمريكي الحالي في الأمم المتحدة.

أما حبيب مالك أستاذ التاريخ الذي يعمل مع منتدى الشرق الأوسط فقد دافع عن المتظاهرين ضد سورية في حديثه مع الصحفية كلوديا روزيت العاملة في "مؤسسة الدفاع عن الديقراطيات" قائلا إن المظاهرات عفوية ولاتخضع لأي ضغط. ولكن د. جوديث هريك الأمريكية الخبيرة بشؤون حزب الله أخبرتني أن وسائل الإعلام تشوه صورة الحشود المؤيدة لسورية. "كما تسمعين تقوم إدارة بوش بوصف المعارضين لسورية "بالشعب" بينما تعتبر الآخرين إرهابيي حزب الله. سيشارك في مسيرة الغد (8/3/2005) السنة والدروز من جماعة أرسلان والمسيحيون من الأحزاب اليسارية القومية والجنوب كله والبقاع إضافة إلى المسيحيين الأرسوذكس من جبل لبنان. ورغم ذلك تعمل الولايات المتحدة على تضليل الناس بالوقوف إلى جانب الأقلية لأن هذه الأقلية تدعم السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط."

لقد قام كل طرف بمسيرة من مئات الآلاف ودعوا إلى هدنة. ولكن الآلة الأمريكية الإسرائيلية أعلنت الحرب. فاستخدم الرئيس بوش لغة لايستخدمها عادة إلا بخصوص ياسر عرفات وكرر ببغائيا كلمات شارون: "سورية عقبة أمام السلام" و"عقبة أمام التغيير". أما سام جونسون النائب عن تكساس فقد اقترح "إلقاء قنبلتين نوويتين على سورية". وكتبت صحيفة "جيروساليم بوست: "تحيي إسرائيل هجوم بوش على الإسلاميين". وأكدت صحيفة "اليهود إلى الأمام" أن "الولايات المتحدة قد تعهدت لإسرائيل بتدبر أمر حزب الله".

ظهرت مجموعة من اوراق اللعب وعليها صور كبار المطلوبين وهذا أسلوب اعتمدته صحيفة معاريف الإسرائيلية واستخدمته الولايات المتحدة فيما بعد ضد حزب البعث العراقي. وقد حدد عضو الكنيسيت الإسرائيلي يوفال شتاينتز رئيس لجنة الدفاع والشؤون الخارجية أولويات إسرائيل: "لإسرائيل مصلحة واضحة في إنهاء سلالة الأسد واستبدال بشار الأسد." ولتذكير العرب المغفلين بنظريات المؤامرة استخدمت جيواستراتيجي العنوان التالي :"هل الأسد فصامي أم أن الولايات المتحدة فعلا تخطط للإطاحة به؟"

كتبت جيروساليم بوست: "يفكر رامسفيلد بضرب حزب الله لاستفزاز سورية" ويرى البنتاغون أن "الساعة تقترب للإطاحة بالأسد والجنرالات الحاكمين من خلال استهداف سورية عن طريق لبنان." وأكد فلينت ليفريت الخبير بمجلس الأمن وشؤون المخابرات المركزية الأمريكية قناعة رامسفيلد أنه من خلال إثارة أزمة مناسبة في لبنان يمكن تحقيق تغيير النظام في سورية." ولهذه الغاية أوجد رامسفيلد P2OG)) مجموعة العمليات الاستباقية التي تم إحداثها بشكل خاص لتحريض العمليات الإرهابية التي بدورها تبرر العمليات ]الأمريكية[ المضادة. لذلك يتصور كل من دوغلاث فيث وديفد ورمستر من المحافظين الجدد أن الزعزعة التدريجية تشبه الزعزة البنّاءة للحرب الشاملة.

لقد بدأ فريق رامسفيلد سلفا المحادثات مع المخابرات الإسرائيلية من أجل اغتيال مسؤولين لبنانيين وبشكل خاص "من حزب الله أو الذين يدعمون المسؤولين الذين يدعمون حزب الله" وذلك عام 2002 وتم إرسال عناصر مخابراتية إلى لبنان. وانا شخصيا التقيت "طالبا" إسرائيليا يدرس العربية في الجامعة الأمريكية في بيروت. علما أنه سافر بجواز سفر أمريكي إلى لبنان "من أجل دراسة العدو ومعرفة طريقة تفكيره". وفي 5/6/2005 كشفت صحيفة ساندي تايمز أن الموساد يستخدم مراقبة البريد الالكتروني حصان طروادة ليتجسس على السيدة أسماء عقيلة الرئيس الأسد واعتبر الموساد أن المراسلة بينها وبين أهلها "هدفا سهلا شرعيا".

وفي كانون الثاني 2005 بدأت وزارة الدفاع الأمريكية الاستعداد للقيام بعمليات عسكرية في لبنان لتحطيم "مواقع المتمردين" على الحدود السورية اللبنانية". وفي الوقت ذاته وافقت الحكومة الأسرائيلية على القيام بعملية عسكرية في لبنان بعد أن قتل حزب الله جنديا إسرائليا. وقد صدرت الموافقة على العملية من لجنة الأمن السياسي الوزارية التي تتكون من رئيس الوزراء شارون ونائبه إيهود أولمر وشمعون بيريز ووزير الخارجية سيلفان شالوم (هآريتز3/5/2005). ولكن تم اغتيال الحريري وانفتح باب سورية على مصراعيه.

يمكن ان تصير سورية الولاية الأمريكية الثالثة والخمسين إذا تمكن حزب الإصلاح السوري الذي يقوده فريد الغادري الدخول من ذلك الباب المفتوح. الغادري مسلم سوري عمل مع EG&G ,وهي قسم عقود الدفاع. لقد ساهمت هذه المؤسسة في تطوير الأسلحة النووية واختبارها في أهم المشاريع الذرية السرية العسكرية في الولايات المتحدة. ويقوم حزب الإصلاح بالتنسيق مع المجلس الوطني السوري ويدير إذاعة سورية الحرة من قبرص وألمانيا من أجل زعزعة الاستقرار في سورية.

لقد عملت المخابرات المركزية الأمريكية والموساد منذ زمن على استخدام الكرد لاستهداف شعوب المنطقة. وفي هذا الخصوص كتب الصحفي جاك آندرسون عام 1972 عن مبعوثين إسرائليين يقومون بتسليم 50.000 دولار شهريا للقائد الكردي مللا مصطفى برزاني من اجل زعزعة العراق... وقد اكدت التقارير الإخبارية ان الشغب في شمال سورية تم تنظيمه وإدارته من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل اللتين استخدمتا أكراد تركيا والعراق لهذا الغرض. وفي قمة الشغب رفع "المتظاهرون" صورا للرئيس جورج بوش والأعلام الأمريكية. وقد تم تمويل زعماء الشغب من قبل وزارتي الدفاع والخارجية الأمريكيتين. و قالت كونداليزا رايس "ليزهر ربيع دمشق ولتتفتح أزهاره". وهكذا تبرعمت مصيبة لونية أخرى "ثورة الياسمين" في سورية.

فريد الغادري ضيف بارز في المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي وهو عضو في منظمة إيباك [لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية وكانت تدعى في البداية اللجنة الأمريكية الصهيونية للشؤون العامة وقد تأسست عام 1953/المترجم]. لقد اتصلتُ مرارا بحزب الغادري ولكن دون جواب فقمت بزيارة المقر الرئيسي لحزب الإصلاح في واشنطن. مقر الحزب هو مكتب جاك أبراموف الناشط الصهيوني المتطرف. ومؤسسته للاستشارات السياسية Middle gate Ventures شريكة لحزب الإصلاح (الذي يقوده الغادري). علما أن ابراموف يخضع حاليا لتحقيقات الاستخبارات الفدرالية لأسباب عديدة من أهمها طلبه عمولة قدرها تسعة ملايين دولار من رئيس الغابون كي يرتب له اجتماعا مع جورج بوش في البيت الأبيض...

من المحتمل أن دولارات ابراموف قد وصلت إلى الجيش الإسرائيلي وبشكل خاص وحدة الحدود اللبنانية والدفاع المدني الذي يراقب الحدود الإسرائيلية اللبنانية. صحيح انه تم حل "إيغال" بعد انسحاب أسرائيل من جنوب لبنان عام 2000 ولكنها ماتزال تقوم باعتداءات عبر الحدود في جنوب لبنان في مناطق حزب الله. وكما الحال في أعمال اللوبي ابراموف تظل ادواته وآثاره غامضة. لقد قال اللوبي الإيباكي المدان ستيفن روزين لصحيفة نيويوركر إن "اللوبي مثل زهرة الليل التي تنمو بسرعة في الظلام وتموت في الشمس". ولكن كلمات أبراموف لرالف ريد عام 1983 أكثر دقة: "ليس عملنا ان نبحث عن التعايش السلمي مع أعدائنا". "عملنا هو القضاء عليهم بشكل نهائي". وهذا هو المقصود بالحريات المزيفة "وربيع العرب" على الطريقة الماكيافيلية.

*(Trish Schuh متخصصة بسياسة الشرق الأوسط وقد وقفت في وجه ميليس في مجلس الأمن عندما تقدم بتقريره واتهمته بالتزوير والتلفيق وستفعل الشيء ذاته عندما يتقدم بتقريره الثاني لقناعتها أن الأدلة تلفيق بتلفيق.