ساطع نور الدين/السفير

يفتتح اغتيال الزميل جبران تويني فصلا جديدا من الصراع على لبنان بين سوريا وبين المجتمع الدولي ممثلا بأميركا وفرنسا، والذي يشهد منذ صدور قرار مجلس الامن الدولي الرقم 1559، تبادل الضربات الأمنية والدبلوماسية الموجعة، التي لم تؤد حتى الآن إلى طلب وقف اطلاق النار والبحث في شروطه.

لم يكن اغتيال تويني ضربة عشوائية، بل كان عملية مدروسة بدقة متناهية، لم تعتمد في توقيتها فقط على موعد اجتماع مجلس الامن الدولي لدراسة تقرير رئيس لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري القاضي ديليف ميليس، بل استفادت ايضا من بدء العملية الانتخابية في العراق التي تشكل اختبارا اميركيا ودوليا حاسما، قد تكون سوريا اول وأكثر دولة في المنطقة عرضة لآثاره وتداعياته.

وبناء على ما يقال في واشنطن وباريس ولندن عن ان الخطأ الاكبر الذي ترتكبه دمشق هو اعتقادها ان التجربة الاميركية في العراق فشلت كليا، ورهانها على ان المقاومة العراقية يمكن ان تنجح في طرد الاحتلال الاميركي من الاراضي العراقية، فإن السلوك السوري في لبنان الذي يتسم في هذه المرحلة بقدر غير عادي من التوتر والانفعال، يصبح مفهوما، وتغدو المناوشات المتقطعة على الجبهة اللبنانية تعبيرا عن سوء الفهم والتقدير للمسار العراقي المقبل.. وعن الرغبة طبعا في التوصل الى تسوية شاملة.

وبديهي أنه قبل التوصل الى تلك التسوية الشاملة، او على الاقل الى ترتيب مؤقت بين الجانبين، لن يهدأ لبنان، وسيظل جبهة خلفية سهلة يمكن ان يستخدمها الاميركيون كنموذج حي لموجة الحرية والديموقراطية التي تهب على المنطقة، كما يقدمها السوريون كمثال على زيف تلك الموجة وفراغها من أي مضمون جدي لانها تستند الى بنيان عراقي هش، وإلى جدول اعمال اقليمي يخالف الوقائع والاولويات.

وليس من المخاطرة القول ان الاميركيين الذين سبق ان هزموا في لبنان اكثر من مرة، سيهزمون هذه المرة ايضا، وسيضطرون الى البحث عن حل وسط مع سوريا، التي قد لا تحتاج حتى الى التدخل المباشر في الشأن الداخلي اللبناني، طالما انها لا تزال تستطيع الاعتماد على قوى لبنانية مؤثرة، لا تقتصر على <<السياديين الشيعة>> الذين ينتفضون اليوم ضد الوصاية الاجنبية..

اغتيال تويني هو بهذا المعنى بداية مرحلة من الضغط الشديد من اجل انتزاع الاعتراف الاميركي بالهزيمة في لبنان، بعدما استنفد الاميركيون قدرتهم على استثمار العنوان اللبناني من اجل <<النيل من سوريا>>، وشارفوا على اليأس من محاولة إعادة انتاج مشروع داخلي لبناني قادر على قلب موازين القوى المحلية، وعلى التكيف مع المعطيات الاقليمية الجديدة.

الصراع دخل في طور جديد، وقد يستغرق حسمه وقتا اطول بكثير من الوقت المحدد لنجاح العملية السياسية في العراق.