نجيب نصير

مرة أخرى يهب الحكماء لمناقشة قوانين في دول اخرى، و كالعادة خبط عشواء، بين ادانة لديموقراطية ناقصة او زائفة، وبن اعتراض على قانون قد يشمل العرب والمسلمين او تنالهم طرطوشة، وكالعادة بعبارات ومانشيتات رنانة لا تعبر عن رؤية ولا تصل الى نتيجة، وذلك اما لسوء فهم الديموقراطية، او لسوء تفسير السيادة ، او لتقصد افهامنا نحن سكان هذا العالم الثالث المهضوم اننا رعايا بشكل غير مباشر لهاتيك الدول الديموقراطية التي تصدر قوانين لا تأخذ وياللهول مصالح رعاياها وراء البحار ، لدرجة استخدامها كلمات من قبيل ـ كان الكونغرس محقا … او كان البرلمان الفرنسي يخطىء في تقدير كذا ـ هذه المرة تتم مناقشة العواقب الخطيرة لصدور قوانين تبرر التعذيب في الدول الديموقراطية … على اساس واضح وصريح ان التعذيب عادي في الدول غير الديموقراطية والتي تمتلك عذرها تحت ابطها فهي غير ديموقراطية ، والتساؤل عن التعذيب فيها يخرجنا عن الموضوع فالمقصود الديموقراطية وفقط الديموقراطية ، والرجاء من السامعين او القراء عدم خلط المواضيع لاننا نتكلم عن حالة درسية تؤثر علينا وعندما ننتهي ونقنع اميركا ان تعذيب السجناء الاجانب او المواطنين والتهام حقوقهم هو تعذيب لكل البشرية بعدها نلتفت الى انفسنا .

لماذا وهل الديموقراطية شأن دولي؟ أم نحن مواطنون أمريكيون او ربما سيناتورات حتى نناقش شأنا داخليا امريكيا او فرنسيا (قضية الحجاب مثلا)؟ أليست الديمقراطية شأن داخلي معني بقيادة مصالح الأمة ؟ أم أنها نتاج أدبي يمكن نقده وتقييمه؟

هنا المسألة .. وقبل ان نقول انظر من يتكلم (لأنها سوف تقال من أية جهة كانت) … الديمقراطية شأن داخلي للدول، وهي عملية ممارسة على ارض الواقع، وتستند إلى دراسات وأبحاث ونقاشات عقلانية وتنافسية خلال اخذ القرار عبرها ، وتتوخى مصلحة بلادها فقط بناء على المعطيات الواقعية، وتعتمد المؤسسات للتفكير والتدبير والتنفيذ ، وإذا ارتأت أنها على خطأ سوف تتراجع عنه بما يعبر عن مصلحة مجتمعها، وهي أخيرا الطريقة الأحدث لقيادة المجتمعات على طريق القوة والرفعة، إنها ليست جمعية خيرية ، ولا شعار عالمي لمكافحة الايدز، وليست مطروحة للنقاش على غير المواطنين، ولسنا معنيين لا من قريب ولا من بعيد إلا بقوتنا التي تضع حدا لكل منافس أو متجاوز ، وقوتنا هذه حضارية بمعنى مقدرتنا على الإنتاج ، الذي يحتاج إلى ظرف حداثي عريض وجريء والديموقراطية جزء إجباري من هذا النسق الأدائي.

الاميركان بالنسبة لنا ظالمون وحتما ، ونستطيع ان ننظر لذلك حتى يوم القيامة، ونستطيع ان نكشف احابيلهم ونستطيع ونستطيع الى ما شاء الله، ولكنهم يتجبرون بسبب ضعفنا نحن ضعفنا الانتاجي الذي يساوي تماما تملصنا من المسؤولية بصوره الماثلة أمامنا كالعودة الى التراث او الحفاظ على الخصوصية او اللجوء الى مبررات التسويف المعتادة والى ما هنالك من ذرائع معطلة للدخول في حقل تنافس حقيقي، وصياغة اسئلة وهمية حول خطأ الكونغرس او حول الازمة الروحية للمجتمعات الاوربية ، ولكن السؤال الحقيقي :

كيف نضع حدا لذلك هو المطلوب وليس مناقشة قرارات الكونغرس ومدى انسانيتها … ليس هناك شيء في العالم اوضح من الظلم … والاكتفاء بالاشارة الى نوع واحد وبعيد عن المتناول هو على الاقل اعلان هزيمة اذا لم نقل اشياء اخرى وكثيرة.