السفير ، جوزف سماحة

يتوجه ناخبون عراقيون، للمرة الثالثة خلال عام، إلى صناديق الاقتراع. ولكنهم يفعلون ذلك، اليوم، ليس لاختيار برلمان مؤقت، ولا للاستفتاء على الدستور، وإنما للاقتراع لمجلس نيابي يمتد لولاية كاملة.
إذا شاء أحدهم اقتراح عنوان ما لهذا اليوم الانتخابي فهو: راقبوا أياد علاوي. فالرجل يمثل، مع قائمته، التغيّر الأبرز هذه المرة. إنه مرشح يحظى، كما هو واضح، بدعم الاحتلال، ودعم قوى النظام العربي الرسمي. وهو يترأس لائحة تستطيع ادعاء الاختلاط الطائفي والعرقي. ويحاول أن يجمع، في حملته، بين الحزم القيادي وليبرالية التوجه. إنه المرشح الذي يكرّس انتقال مركز الثقل ضمن البنى الطائفية العراقية، ولكنه متصل بأوساط من الفئات الحاكمة سابقاً، وهو وثيق العلاقة مع الأجهزة الغربية ومبتعد، من غير قطيعة، عن العواصم الإقليمية التي تخاصمها واشنطن.
النتيجة التي سيحرزها علاوي هي الحدث الانتخابي. فالنظام الجديد، النسبية على أساس المحافظات، يكاد يرسم مسبقاً التوازنات الطائفية والعرقية في البرلمان الجديد. لكن المجهول الأساسي هو الاختراق الذي قد ينجح علاوي في إحداثه ضمن البيئة الشيعية. إن هذه الدورة الانتخابية تكاد تكون نوعاً من الاستفتاء ضمن هذه البيئة.
يتوجه العراقيون إلى الصناديق في ظل احتدام السجال حول الاحتلال وبقائه أو انكفائه. هناك من يطالب بخروج فوري. وهناك من يطالب بجدول زمني واضح ولو أنه مديد. وهناك من يرفض أي التزام. وهناك من يدعو إلى انعطافة سياسية في السلوك الأميركي. وهناك من يقترح خططاً أخرى لمواجهة المقاومة... المهم أن الإطار العام المتحكّم بالاقتراع هو ذلك المتعلق بمصير الاحتلال. والراجح، في هذا المجال، الميل إلى اعتبار عام 2006 عاماً مفصلياً أو عاماً انتقالياً. وليس سراً أن الإدارة الأميركية نفسها توافق على ذلك ولو أنها تقيم ربطاً بين سحب قواتها تدريجياً وبين نهوض العراقيين بمسؤولية أمنهم، كما أنها ترفض أن تذهب في الوضوح أبعد من ذلك وتبقي التعتيم على الشكل الذي تريده لقطف ثمار مغامرتها العراقية.
إن الحلم الدفين للاحتلال بروز أكثرية كردية علاوية سنية مستعدة لعقد صفقة: صيغة بقاء القوات الأميركية، العلاقات الإقليمية للعراق، الانفتاح الاقتصادي، مصير النفط، وقضايا أخرى ذات صلة بكل ما يسمح للولايات المتحدة بالحديث عن إنجاز الحد الأدنى من <<البرنامج الليبرالي>>.
إن الشرط الأول لتحقق هذا <<الحلم>> هو نجاح أياد علاوي في إثبات وجوده في المحافظات الجنوبية، وفي تحوله، بالتالي، إلى مركز استقطاب قادر على اجتذاب قوى شيعية هامشية. لكن الشرط الأول ليس الأخير.
إذا كانت الأحزاب الكردية مضمونة أميركياً فليس من المؤكد،
إطلاقاً، أن تفرز الانتخابات قوى سنية ذات وزن ترضى بأقل من جدول زمني واضح لجلاء قوات الاحتلال. صحيح أن المشاركة السنية، هذه المرة، ستكون ملموسة وقد تقارب أو تتفوق على تلك التي شهدها الاستفتاء على الدستور. ولكن الأصح أن النتيجة ستكون متشابهة لجهة الموقف السياسي الإجمالي وهو موقف رافض للدستور ورافض، في السياق نفسه، لعناصر رئيسية من المشروع الأميركي حيال العراق.
إلى ذلك يمكن لأي <<نجاح>> راهن تحققه الخطة الأميركية في طورها الجديد أن يصطدم بما تم بناؤه في المرحلة السابقة. ففي تلك المرحلة كانت الأجهزة الرسمية، والأمنية منها خاصة، مخترقة من جانب القوى التي تميل واشنطن حالياً إلى تهميشها أو إضعاف دورها. ولكن هذه الأجهزة هي، بالضبط، تلك التي يفترض تكليفها الحلول التدريجي محل الانتشار الأميركي.
أضف إلى ما تقدم أنه ليس في الأفق ما يشير إلى إمكانية توفير الأكثرية اللازمة من أجل إجراء التعديلات الدستورية للبنود المعلقة أو من أجل صياغة دستور جديد. لا بل إن القوى المرغوب في تحويلها إلى أكثرية جديدة <<تعاني>> من تنافر كبير في تصوراتها للمصير العراقي ولقد سبق لها أن اختبرت حجم خلافاتها في النقاشات السابقة.
وأخيراً يمكن القول إن المنحى الجديد يمكن له أن يعزز اتجاهات نابذة لدى الذين يُراد إضعافهم كما يمكن له أن يوفر أرضية تدفعهم إلى إجراء تسويات مع آخرين. وفي الحالين لن يحصل ذلك إلا على حساب المشروع الاحتلالي في صيغته المستجدة.
ترى الولايات المتحدة إلى هذه الدورة الانتخابية بصفتها مناسبة لتطويق ما تسميه <<النفوذ الإيراني>>. إلا أن الاحتمال الراجح هو أن تؤدي الانتخابات إلى توسيع قاعدة الرافضين للاحتلال وإلى فتح ثغرة قد تدخل منها قوى جديدة إلى المقاومة النشيطة.
يمكن القول إن الأميركيين ليسوا في مزاج الإقدام على تسوية إجمالية في العراق من النوع الذي يقترحه عليهم، مثلاً، المشروع الأخير المقدم من المؤتمر القومي العربي. ولكن، في المقابل، لا مجازفة في الزعم بأن هذه الانتخابات، مثل المحطات السياسية السابقة، هي خطوة في اتجاه التعديل البطيء لميزان القوى في غير صالح الاحتلال.
سيركز المسؤولون الأميركيون اعتباراً من اليوم مساء على <<الإنجاز>> المتمثل في نسبة المشاركة. ولكن المطلوب هو انتظار النتائج لمعرفة وجهة هذه المشاركة.