الحياة ، حازم صاغيّة

قد يُقال الكثير في الدعايات الانتخابية لإياد علاّوي، وقد يُقال ما هو أكثر في المآخذ التي تناولته وتناولت بعض فريقه الحكومي يوم كان رئيساً لحكومة العراق. وهي جميعاً ليست من صنف الهِنات الهيّنات تبعاً لشبهات فساد وتجاوزات على القانون وسلوك لا تعوزه الرعونة أحياناً.

لكنْ، وفي حدود المتاح والمتوافر، يبقى علاوي القائد الواعد في العراق. فهو، بين سياسييه، أمتن الجسور الممكنة بين شيعة البلد وسنّته، وبين عربه وأكراده وسائر أقلياته. وهو، بينهم، الأوثق صلة بالقوى الحديثة والحزبيّة والمهنية، من النساء الى الشيوعيين الى نُوى المجتمع المدني وإرهاصاته (ومجتمعاتنا المدنيّة العربية، بالمناسبة، لا تزال كلها نُوى وإرهاصات).

وفي هذا، يخاطب علاّوي مشكلة العراق الأمّ التي هي الحفاظ على وحدة الوطن، دينياً واثنياً واجتماعياً، تمهيداً لإعادة اختراعه مع اعتبار التحولات والظروف المستجدّة. فإذا صحّ أن الاحتلال يتعاطف معه، ومع طرحه، عُدّ الأمر نقطة لصالح الاحتلال، في مقابل نقاطه السالبة الكثيرة، وليس نقطة تُحسم من رصيد علاوي: ذاك أن النزاهة تستدعي الإقرار بأن مرتكبي فظاعات أبو غريب وفظاعات هائلة أخرى، هم أيضاً، وفي الوقت نفسه، أكثر تقدماً من المتوسط العراقي في ما خصّ وحدة البلد وتقدميّة نظامه واجتماعه.

وعلاوي، الى هذا، يتفوّق على أقرانه في أنه يعكس قدراً من الاستمرارية في تاريخ العراق السياسي الحديث. وهو ما تحتاجه المجتمعات في ظروف انتقالها من الاستبداد والديكتاتورية والنزاعات الأهلية والاحتلالات الى بناء اجماعات وشرعيّات جديدة. وبالمعنى هذا، حملته تجربته كبعثي انقلب على البعث، وكسياسيّ لم يتشكّل وعيه في قطيعة المنافي، لا في طهران ولا في واشنطن (دي سي طبعاً، كما يؤكد اصحاب الرطانة العصرية) على إدراك خطورة السياسات الثأرية والانقلابية. تندرج في الخانة هذه مواقفه من «اجتثاث البعث» وتسريح الجيش ومن الحوار الوطني عموماً. فهو ليس جذرياً في نظرته الى التاريخ الجمهوري، كأحمد الجلبي مثلاً، ولا هو ممن تنزّلت بهم شتوة أخيرة طغى وحلها على مائها، كمقتدى الصدر. وهو حين يتحالف مع الولايات المتحدة يخلو تحالفه من البُعد الايديولوجي مقتصراً على نفعيّة سياسية هي لفكرة التحالف أساسها ومعناها.

وأحد أهم ما اتصف به علاوي أنه تصدّى للقوى الأكثر ظلامية ورجعية في البيئة التي صدر عنها. وهو سلوك قابل للتثمير في اتجاه علمنة السياسة وانشاء الشرعية العراقية على مرتكزات دستورية. فكيف وأن الدولة الدينية، أو شبه الدينية، تعني في العراق أمرين كارثيين، فضلاً عن كارثيتها هي نفسها: فهي ستكون، أيضاً، دولة مذهبية تتسبب في انفجار أهلي وتترافق معه. وهي ستكون، حكماً، ملحقاً بالنفوذ الإيراني، تاركة الأراضي التي لا تبسط سيطرتها عليها تحت نفوذ البلدان الأخرى. وفي الخلاصة، لا يكون عراق بهذه ولا يكون بتلك، لا سيما إذا ما تصاعد النزاع الأميركي - الإيراني وغدا «ما بين النهرين» ما بين ناريهما.

وفي سلوك رئيس الحكومة السابق، وفي كلامه، الكثير مما يشي بالتواضع الذي يتطلبه بلده، وإن حجبته لغة طنّانة موروثة عن القاموس القومي العربي المتهالك. فكأنه يقول إن المهمة الأم صون وحدة وطنية قبل النهود الى مهمات «جليلة» لا يقوى عليها بلد مفتّت، فيما الوصول الى حكم القانون، بعيداً عن أهازيج «الديموقراطية» لزجّالي واشنطن، تحدٍ يستدعي من الجهود أكبرها وأعظمها. وبإنجاز مهمات «متواضعة» كهذه، يمكن التعويل على إزالة الاحتلال من غير أن يزول العراق. أما بالمقاومة هذه، أو بالشيعية الأصولية التي تسيّر السياسة بالفتوى، فقل على العراق السلام.

إن إياد علاوي، في هذا جميعاً، العراقي بامتياز.