هآرتس

عندما استجاب أنور السادات لاشارات السلام الصادرة عن مناحيم بيغن، ساد تقدير مفاده أن أحد الأسباب لذلك هو الهالة المتشددة لزعيم الليكود ولمجموعة الوزراء التي أحاط نفسه بها. فبيغن رأس حكومة كان فيها رؤساء أركان وجنرالات متقاعدون معروفون من بينهم موشيه دايان، عيزرا وايزمن، مئير عميت وارييل شارون. كل واحد من هؤلاء كان له صيت قائد شجاع، عدواني، علم العدو العربي درساً في خدمته العسكرية والأمنية. وقد كان لبيغن نفسه صيت انسان صارم، متعصب لآرائه، يؤمن أن العرب يفهمون لغة القوة فقط. وسواء أكان ذلك لأن بيغن شعر بعدم الثقة بادارة شؤون الدولة وحده أو لأنه أراد أن يمنح حكومته صورة صارمة لكي يدير تحت غطائها محادثات السلام ـ فإنه في الحقيقة بذل جهداً خاصاً، ومن ضمنه نقاش حاد مع أبناء عائلته ومع بعض كبار نظرائه في الليكود، ليضم الى حكومته ديان وشارون وأن يكمل بذلك طوق الجنرالات الذي يحيط به.

الصورة تلعب دوراً رئيساً في الحلبة الدولية، وكما كان للانطباع الذي بثته حكومة بيغن قبل 28 عاماً وزن مهم في قرار رئيس مصر التوقيع معها اتفاق سلام ـ فهكذا أيضاً للصورة الذرية التي تملكها اسرائيل منذ 40 سنة تأثير حاسم على مكانتها في العالم وفي علاقاتها بدول الشرق الأوسط. هذه الصورة تبث رسالة عملاق يحسن عدم مشاحنته ـ على أية حال لا ينبغي التفكير فيه بمفاهيم المواجهة النهائية.

الآن يأتي رئيس ايران محمود أحمدي نجاد ويصدع هذه الطبقة الواقية: فهو يقترح خيار مواجهة القدرة الذرية المنسوبة لاسرائيل ويدعو العالم الاسلامي الى الأخذ به. باسم الاسلام يدعو أحمدي نجاد الى إبادة اسرئيل، ويصورها مثل وصمة على خريطة العالم وينزع الشرعية عن حقها في الوجود. وبالمناسبة، ينكر المحرقة. هذا تصور ايديولوجي عميق، ومنهجي وينشئ برنامجاً فكرياً ومفاهيمياً لتصور سياسي، وربما لاحقاً أيضاً لخطة عمل، تطمح الى تدمير دولة اسرائيل.

يوجد مدرستان تبحثان في سؤال كيف يجب على اسرائيل أن ترد على التصور الايراني: توصي الأولى بعدم التأثر، والثانية تدعو الى رؤية الأشياء ببالغ الخطورة. الأولى تدمج الموقف الذي يعبر عنه أحمدي نجاد في الثقافة الكلامية التي تميز الخطاب الايراني في سياقات أخرى أيضاً. بحسب هذا الفهم، تسود النغمة الحماسية أيضاً مباحثات ايرانية أخرى ـ داخلية ودولية، والرئيس الايراني مبتدئ، وهو لا يمثل بالضرورة تصورات سائر الشعب الايراني، ويجب انتظار تطورات داخلية داخل ايران تؤدي في يوم من الأيام الى بروز قيادة أخرى. أما التوجه المعاكس فيقترح عدم الاستهانة بالمواقف التي تعبر عنها القيادة الايرانية وأن تكافحها في الساحة الدولية أو حتى الاستعداد بشكل عملي لمواجهتها.

من الأفضل لاسرائيل أن تأخذ في الحسبان السيناريو المتشائم وأن ترى في التصور الذي يعبر عنه نجاد تهديداً حقيقياً. ويتطلب أيضاً التوصل الى استنتاجات عملية: التركيز على هذا التهديد وحل النزاع مع الفلسطينيين والسوريين في أقرب وقت لأن مجرد قدرة الايرانيين على إيجاد توازن رعب نووي مقابل اسرائيل يغير الى الأسوأ صورة اسرائيل ومكانتها في نظر جاراتها. في عالم الخيال ـ فإن اسرائيل المتحررة من عبء الاحتلال، والتي تتحدى نوايا إيران في إبادتها، تكون مرة أخرى داوود الذي يقف في مواجهة جالوت.