يدعيوت أحرونوت

وجه خالد مشعل في الفترة الأخيرة دعوة لأعضاء منظمته في المناطق الفلسطينية من أجل استئناف العمليات ضد إسرائيل. للمرة الأولى منذ سنوات يقع نداء زعيم حماس في الخارج في آذان صماء. لكن ليس في الأمر خطأ. فقادة الحركة في الضفة والقطاع ـ محمود الزهار، اسماعيل هنية والشيخ حسن يوسف ـ يتخذون هذه الأيام موقفاً حازماً يرفض العمليات ضد إسرائيل. لكن الأمر لا يتعلق بتحول استراتيجي في موقف الحركة بشكل عام، بل بتغيير تكتيكي في موقف "حماس الداخل". والسبب لذلك هو على ما يبدو واحد: يشعر قادة حماس، محمولين على موجة النجاح التي بدأت مع موت عرفات، أن احتلال المجلس التشريعي الفلسطيني يصبح أكثر فأكثر قابلاً للتطبيق. هدوء، نحن نتنافس!

في المقابل تقف حركة فتح، الحركة التي تعتبر التيار المركزي في المجتمع الفلسطيني، والتي وقعت على اتفاقات أوسلو والتي من المفترض ان تقود عملية السلام مع إسرائيل، والتي يعتمد يوسي بيلين على أعضائها كشركاء في اتفاق جنيف ـ هذه الحركة لم تفقد كل لجام سلطوي فحسب، بل انها تشجع هذه الأيام العمليات بواسطة كتائب شهداء الأقصى ولجان المقاومة الشعبية، الخاضعتين لامرتها. ويمكن أن يكون سبب ذلك واحداً أيضا: ثمة مخاوف كبيرة لحركة فتح من أن تمنى بفشل ذريع في الانتخابات المزمع حصولها في 25 كانون الثاني، ومن استمرار فقدان السيطرة على مؤسسات السلطة ومصادر التمويل الضخمة التي تتدفق لمصلحة الدولة الفلسطينية القادمة. فحصول موجة أخرى من العمليات الارهابية وردود الفعل الاسرائيلية ستساعد فتح على التهرب من الخطر الذي يتربص بها في هذه الانتخابات. عندها، يجب أن لا نتفاجأ إذا ما قرر أبو مازن تأجيل الانتخابات قبل مدة قصيرة من موعدها، على أساس الادعاء المعروف والبالي والذي يفيد أنه لا يمكن إجراء انتخابات ديموقراطية "تحت فوهات بنادق إسرائيل" أو في "ظل الأحداث الصعبة".

ما يحدث الان في المناطق الفلسطينية هو اذاً خلط تام للوقائع. فحزب السلطة ـ فتح ـ يترنح في المستنقع المحيط بقادته من كل حدب وصوب، ويجد صعوبة في وضع قوائم اسمية تؤدي إلى نجاحها انتخابياً في صناديق الاقتراع. وتجدر الإشارة إلى أنه منذ أشهر طويلة والحركة غارقة في حملة خصومات شديدة، بعضها عبارة عن صراعات تدور بين جيلين، وبعضها صراعات هيبة بين أعضاء الضفة وأعضاء غزة، في المقابل، حركة حماس ـ التي تؤيد كثيراً الارهاب الشديد، اطلاق صواريخ القسام والانتحاريين ـ تخوض حملة انتخابات صعبة، مثيرة للانطباع وجدية تحت شعار "التغيير والاصلاح"، وتطرح قوائم الاهداف التي وضعتها الحركة نصب اعينها هو السيطرة على الأماكن الاحد عشر المخصصة للنساء في المجلس التشريعي، ولذلك يظهر في قوائمها زوجات ناشطين بارزين قتلوا على يد اسرائيل، من اجل اثارة مشاعر التعاطف وسط الجمهور.

من خلال مستشارين استراتيجيين ودعائيين مهنيين، تخطط حماس للاستغلال الكلي لخيبة الامل والاحباط المتواصلين في الجمهور الواسع من احزاب السلطة الفاسدة من أجل احتلال أكبر عدد ممكن من المقاعد في البرلمان. فكل مظاهر الانتخابات الاسرائيلية تظهر اليوم أيضاً في حملة حماس الانتخابية الحالية: تصويت احتجاجي من قبل المصابين بخيبة أمل (قسم كبير من الجمهور)، انتقال سياسي، أجندة أمنية واجتماعية. وإذا كان يمكن اعتبار ما حصل حتى الآن في الانتخابات البلدية وانتخابات المؤسسات الاكاديمية في المناطق الفلسطينية، بأنه بمثابة مؤشر على ما سيحصل في المستقبل، عندها يجوز لحماس ان تكون متفائلة.

قادة حماس، بحسب كلامهم، لا ينوون الحصول على الأغلبية في البرلمان. فكل ما يريده هؤلاء الاصوليون المتطرفون هو تشكيل كتلة مانعة تمنع الائتلاف الفتحاوي ـ العلماني من تطبيق خارطة الطريق المدمرة بالنسبة اليهم، أو التوقيع على اتفاق سلام مع اسرائيل. لكن في مثل هذا الوضع، إذا لم تلتزم حركة حماس جانب الحذر، فانها تشكل الائتلاف الحكومي القادم من خلال احتلال البرلمان الفلسطيني. وماذا سيحصل عندها؟ سيعلن الزهار وهنية أن "الامور التي ترى من هنا لا ترى من هناك".