يدعيوت أحرونوت

"انتصار آخر كهذا وانتهينا"، بهذه العبارة وصفت "وول ستريت جورنال" ـ المجلة الرائدة في الولايات المتحدة ـ انضمام نجمة داود الحمراء إلى "الصليب الأحمر" مقابل استعداد اسرائيل لاستبدال شعار "نجمة داوود" بماسة حمراء. ويعبر موقف المجلة، التي تُعتبر من المؤيدين المطلقين لاسرائيل، عن التأكل في صورة اسرائيل الاستراتيجية نتيجة لميل التنازلات المتواصل منذ 1993.

خلافاً للمزاج العام الذي ميز كل حكومات اسرائيل حتى العام 1992، يمثل خضوع "نجمة داود الحمراء" ـ بتشجيع من الحكومة ـ مزاج أوسلو الذي يحول "الخطوط الحمراء" إلى خطوط "وردية" بغية تجنب الضغط. هذا المزاج يُقدم الضعف كما لو أنه قوة، الوهن كما لو أنه صرامة، التراجع كضبط للنفس، المسك بالجذور والمبادئ والكبرياء القومي كما لو أنه تطرف، كما يُقدم كل القيم الحضارية الأبدية كما لو أنها خردة.

الشعوب لا تتنازل عن المبادئ القومية، وهي لا تفعل ذلك بالطبع مع مبادئ عمرها 3000 عام، مقابل علاوة، بل تعبيراً عن الخضوع للضغط. ويعلمنا التاريخ أن السيادة والأمن القومي يستندان على القيم الحضارية والثقافية الخالدة التي تتطلب رعايتها وتنميتها ثمناً على المدى الفوري. لكنه يُثمر على المدى الطويل. وعليه فإن اهمال هذه القيم يبث الضعف ويسكب الزيت على نار الضغط والارهاب. فالدول العربية لم تتنازل عن شعار الهلال من أجل الانضمام إلى "الصليب الأحمر"؛ وهي ترى في تنازل "نجمة داود الحمراء" عن "نجمة داوود" مؤشرا إضافيا على الانفصال عن الجذور وعلى الوهن؛ وليس مؤشراً على ضبط النفس والقوة.

ان التنازل عن نجمة داوود ـ ومجرد الاستعداد للبحث في مصير الرمز التاريخي للشعب اليهودي ـ لم يخطر في بال رؤساء الحكومات حتى العام 1992 عندما سيطر مزاج أوسلو على راسمي السياسة في إسرائيل. ويشكل الانكفاء الحالي مرحلة إضافية من التآكل الدراماتيكي في قدرة الصمود والردع لدى اسرائيل، وينضم الى المسار الحاد والمخادع للانسحابات والوهن: الاستعداد لإجراء مفاوضات حول القدس؛ التسليم بتوازن الرعب مقابل السلطة الفلسطينية وحزب الله؛ تجاهل تعليم الكراهية في السلطة الفلسطينية والدور الرئيسي لأبو مازن في توجيه التحريض والارهاب؛ الاعتراف بحماس كهيئة سياسية مرشحة لخوض الانتخابات؛ القبول بإملاء كونداليسا رايس بفتح معابر غزة أمام الارهاب، وغيرها.

فحتى انقلاب العام 1992، صد رؤساء الحكومات ضغوطاً أكبر وأشد، ولذلك حظوا بالتقدير الذي أدى إلى تطور العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.