هآرتس

قال مستشار آرييل شارون لشؤون استطلاعات الرأي، كلمن غايير، (أو لم يقل) للمجلة الأميركية نيوزويك، أن شارون مستعد لتسوية في القدس أيضاً وأنه "نظرياً" سيوافق شارون على إقامة دولة فلسطينية على 90% من أراضي الضفة. هذا التصريح نجح كثيراً في إنقاذ الليكود من ورطته الوجودية وفي إنعاش شعاره الانتخابي القديم "بيرس سيُقسم القدس".

السبب الوحيد لتشكيل حزب "كاديما" كان محاولة الهروب من ديماغوجية معسكر اليمين باتجاه الوضوح السياسي المبارك به. فكل من يرى في انشقاق الليكود حدثاً بالغ الأهمية يأمل أن يتمكن شارون أيضاً من مواجهة التسويات في القدس وأن يكون فك الارتباط الأحادي الجانب عن غزة إشارة الى ما سيليه وليس نهاية الطريق. والافتراض السائد هو أن شارون لا ينوي إرجاء القرارات الصعبة للمستقبل ويكفي أنه في آخر أيامه السياسية كي يُسرع تنفيذ العملية الجراحية المؤلمة لإنهاء الاحتلال خلال ولايته المقبلة. لكن رده المذعور على المقابلة مع غايير، يثير شكوكاً حول هذا الموضوع. وربما يصدق المدعون أن إقامة "كاديما" ما هو إلا مناورة انتقامية من مركز الليكود وأن شارون لا ينوي تنفيذ أي خطوة سياسية إضافية.

كل لحظة سياسية لحل النزاع مع الفلسطينيين تضمنت أيضاً تغييراً للحدود في القدس. فالمدينة، مع الأراضي الضخمة التي ضُمت إليها، تحوّلت الى لغم ديموغرافي وحجر الزاوية في بناء دولة فلسطينية ذات تواصل جغرافي منطقي. وعلى ما يبدو فإن من قام بضم الضواحي الفلسطينية الى القدس لم يعتقد أنه في يوم من الأيام ستقوم دولة فلسطينية. لقد تم اتخاذ قرارات خاطئة لم يعد ممكناً التراجع عنها، مثل معاليه أدوميم وغفعات زئيف. صحيح أن هذه المستوطنات أُدرجت ضمن الأراضي الإسرائيلية حتى وفقاً لخارطة اتفاق جنيف، لكن من الواضح أن أي تسوية سياسية، أياً يكن رئيس الحكومة الذي سيوقع عليها، ستتضمن تقسيم القدس.

القدس لم تكن يوماً موحدة. المفتاح المبدئي للتقسيم حدده بيل كلينتون: ما هو يهودي لليهود، وما هو عربي للعرب. وليس ثمة من يتخيل ضم 220 ألف عربي من أحياء شرقي القدس الى دولة إسرائيل بعد اتفاق التقسيم لدولتين، وحتى أن شارون يفهم ذلك باعتباره هو من رفع راية الديموغرافيا عالياً جداً.

جرت العادة، خلال المعركة الانتخابية، إخفاء الرسائل الخلافية من أجل جرف أكبر عدد ممكن من الأصوات. لذلك، يبدو واضحاً السبب الذي جعل أعضاء "كاديما" يرتعبون من كلام غايير عن القدس. لكن بما أن التبرير الوحيد لقيام "كاديما" كان تلك "التنازلات المؤلمة" التي لم يكن شارون مستعداً لتنفيذها في إطار الليكود، فإن هذا الذعر يشكل مؤشراً مثيراً للقلق مفاده أن شارون نفسه لا يعرف أهدافه السياسية. ربما يعتقد أنه سيُمضي ولاية كاملة جالساً على أكاليل غار فك الارتباط عن غزة. كان يمكن التوقع من زعيم جريء مثله أن يقول رداً على شعار الليكود القديم ـ الجديد: "كلهم سيُقسمون القدس" لأن في ذلك مصلحة إسرائيلية.