كمال ذبيان/الديار
الاكثرية النيابية تتحكم بالسلطة وتستكمل التطهير على اساس الانتماء السياسي
وضعت قوى 14 آذار برنامجا لتحركها في المرحلة المقبلة، له عنوانان بارزان، الاول اسقاط رئيس الجمهورية العماد اميل لحود في مجلس ، والثاني تطهير الادارات والاجهزة الامنية، من بقايا «الحقبة السورية» او سلطة «الوصاية السورية».
فبعد كل عملية اغتيال او محاولة اغتيال وتفجير، كانت هذه القوى، تعمل لتوظيف سياسي لاستكمال عملية الانقلاب الذي تحدث عنه النائب وليد جنبلاط، واعتبره ما زال ناقصا، مع استمرار الرئيس لحود في قصر بعبدا، اي بقاء رأس النظام الامني على قمة هرم السلطة، ولا بد من عمل سياسي وشعبي لازاحته، وهذا ما لم يحصل عليه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يصوب باتجاه من تبقى من «حلفاء النظام السوري» في مؤسسات الدولة المدنية (الادارية) والعسكرية - الامنية.
ويبدو ان جنبلاط مصمم على خوض هذه المعركة، لكن فاته ان من ابرز حلفاء سوريا في لبنان، هم حلفاء له في الانتخابات النيابية، اي حركة «امل» و«حزب الله»، وهما مكنا جنبلاط من ان يحرز الاكثرية النيابية مع حلفائه، ويلقي القبض على السلطة.
وفي هذا الاطار، فان مصادر سياسية تسأل، هل صحيح ان الاجهزة الامنية، ما زالت محكومة من قبل اجهزة الاستخبارات السورية التي خرجت من لبنان قبل ثمانية اشهر، وان من كان ينسق معها في لبنان، من مسؤولين امنيين أصبحوا في السجن (اشارة الى الضباط الاربعة)، اضافة الى حملة تشكيلات طالت كل المواقع والمراكز والمسؤوليات في الجيش وقوى الامن الداخلي والامن العام وامن الدولة، وباتت الشكوى من وجود «نظام امني» جديد، نشأ مع المتغيرات التي نشأت في البلد، بعد الانتخابات النابية وتشكيل الحكومة الحالية وخروج القوات السورية ومخابراتها من لبنان، ثم ملاحقة وتوقيف كل من له علاقة تحالفية مع سوريا.
والمتابعون للتشكيلات التي حصلت في المراكز العسكرية والامنية، يؤكدون، انها طالت كل المرحلة السابقة، وقد يكون هذا طبيعيا مع حصول تغيير في السلطة، اذ لم يعد للرئيس لحود، أي تأثير على اي جهاز امني، وهو بات بلا مخالب، لا بل ان حرسه الجمهوري تم تفريقه بعد اعتقال قائده العميد مصطفى حمدان، واستقالة بعض الضباط، لا بل ان المؤسسة العسكرية وهي الجيش الذي يعتبر لحود وفق الدستور القائد الاعلى للقوات المسلحة، لم يعد له التأثير الذي كان له عليه، يوم كان قائده، او بعد وصوله الى رئاسة الجمهورية، اذ ان قائده الحالي العماد ميشال سليمان، نأى بالجيش عن التدخل في صراعات داخلية وتجاذبات سياسية، وتمكن من تحييد المؤسسة التي يعول اللبنانيون على وحدتها، كي تقف موحدة في مواجهة اي فتنة داخلية، ولهم تجارب من الحرب الاهلية المدمرة.
فالتطهير الذي تطالب به قوى 14 اذار، وتعد لائحة باسماء من تعتبرهم من «الحقبة السورية»، تشبه اوساط سياسية، بما حصل في العراق عندما نصح احمد الجلبي الحاكم الاميركي على العراق بعد احتلاله، بول بريمر، بحل الجيش والشرطة وحزب البعث، واجتثاث كل ما هو من المرحلة الصدامية، فكانت النتيجة ان دبت الفوضى، ودخل العراق في مرحلة امنية خطيرة.
وتخشى هذه الاوساط، ان تتكرر التجربة «الجلبية» في لبنان تحت عنوان «اجتثاث الحقبة السورية»، وهذا مطلب اميركي اعلن عنه الرئيس جورج بوش بعيد الانتخابات النيابية اللبنانية.
وما يقال عن بقايا نظام الوصاية في مؤسسات الدولة، من هم، وما هي انتماءاتهم، وكيف وصلوا؟
اللبنانيون يتذكرون، ان التعيينات، منذ ما بعد اتفاق الطائف، كانت دائما محور خلاف بين اركان السلطة في لبنان، او ما اصطلح على تسميتهم بـ «الترويكا» في عهد الرئيس الياس الهراوي، فكانت دمشق او عنجر او الرملة البيضاء، هي الامكنة التي كان يلجأ اليها المسؤولون اللبنانيون والطبقة السياسية الحاكمة من اجل تذليل العقبات، من امام تعيينات كانوا يختلفون عليها، في ما يسمى المحاصصة، وكان السوريون يدخلون من الخلاف لتمرير اصدقاء لهم من اللبنانيين، وكانت التعيينات تأتي حصرا لكل من: الرئيس الياس الهراوي، الرئيس نبيه بري، الرئيس الشهيد رفيق الحريري، النائب وليد جنبلاط، النائب ميشال المر. هؤلاء الرموز كانت لهم الحصة الكبرى والاساسية، وتوزع الفتات على اطراف وقوى سياسية اخرى، لا يتعدى عددها اصابع اليد الواحدة.
ولم يختلف الامر كثيرا في عهد الرئيس لحود، الا في مرحلة السنتين من بداية عهده، فدخلت اطراف اخرى. وحلت محل قوى كانت في مواقع معينة، وهذا هو لبنان، اذ ان كل عهد وحكومة تأتي بالانصار والاتباع والمحاسيب، وهذا الامر تنبه له الرئيس الراحل فؤاد شهاب، فتصدى «لأكلة الجبنة» بان اقام المؤسسات، مثل مجلس الخدمة المدنية لتمر عبره الكفاءات والشهادات العلمية بعيدا عن التزلم لامير هذه الطائفة واقطاعييها واصحاب النفوذ فيها، الا ان هذه العملية الاصلاحية، اصطدمت بالعقلية الطائفية، وبالمصالح الفئوية، وهذا ما منع الاصلاح في لبنان، وما زال، ويحاول رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، ان يصلح الادارة باللجوء الى التعاقد الوظيفي، وهي محاولة جديدة، ولكن شرط ان يبعدها عن المحاصصة السياسية والطائفية، كما ان مدير عام قوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي وجه تعميما الى كل الضباط وعناصر قوى الامن يحظر عليهم اللجوء الى المراجع السياسية، وهذه خطوة اصلاحية جريئة، ولكن تبقى الممارسة وهي الامتحان لكل عمل اصلاحي، اي ان يكون شموليا، وليس مجتجزأ، والكيل بمكيالين، لجهة انصاف من هو مع الفريق السياسي الحاكم، ومحاسبته، من هو مع فريق اخر، وهذا ما حصل في السابق، وكان من الاخطاء المميتة، التي قضت على فكرة المؤسسات وتطبيق القانون.
ان التطهير على اساس الانتماء السياسي، امر خطير، وسيودي الى مزيد من التشنج الداخلي، لا سيما وان التعيينات التي تحصل لا سيما في الفئة الاولى تتم عبر المحاصصة السياسية والطائفية، وان من هم في السلطة، يتوزعون هذه المراكز منذ سنوات.
واذا كان البعض يتحدث عن اجتثاث «الحقبة السورية»، فالى اية سنوات تعود، حيث يربطها جنبلاط الى مرحلة ما بعد التمديد للرئيس لحود، وهذه انتهت مع الخروج السوري، اما اذا كانت ستعود الى تاريخ الدخول السوري الى لبنان، ففي الثلاثين سنة، كانت حقبات اخرى، فلسطينية واسرائيلية واميركية متعددة الجنسيات، ثم سورية بعد اتفاق الطائف، وهذه المرحلة، كان من رموزها، كل الطبقة السياسية، باستثناء العماد ميشال عون وتياره، و«القوات اللبنانية» في مرحلة ما بعد اعتقال قائدها الدكتور سمير جعجع.