إياد أبو شقرا/الشرق الأوسط

جريمة اغتيال جبران تويني، الشخصية الإعلامية والسياسية البارزة في لبنان، يجب أن تكون مفصلاً في التعاطي مع الحالة اللبنانية، ومن ثم الأوضاع العامة في الشرق العربي ككل.

لقد خدعت «الهدنة القصيرة» الفاصلة بين هذه الجريمة وآخر سابقاتها من مسلسل التأديب بالقتل ـ أي محاولة اغتيال الإعلامية مي شدياق في أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي ـ كثرة من المتابعين.

لقد توهّم هؤلاء أن الجهة الجانية ستجد صعوبة في مواصلة هذا المسلسل لجملة من الأسباب: منها أن الوضع اللبناني أضحى في صميم اهتمامات القوى الغربية الكبرى وعدساتها الراصدة. ومنها أن تعدد العمليات أو المحاولات لا بد أن يترك بصمات قد يضبطها التحقيق الدولي. ومنها أن ثمة هواجس قد بوشر بمراعاتها محلياً وعربياً، وحتى دولياً، مما يفترض أن يحول دون توجيه مزيد من «الرسائل» الدامية.

لكن الظاهر أن على اللبنانيين اليوم التحسب لمسيرة أطول وأشد إيلاماً في نفقهم المظلم.

خلال الأسبوعين الأخيرين اتهمني بعض الأصدقاء بالإفراط في التشاؤم بعد قراءتهم المقالتين اللتين كتبتهما يوم الإثنين الفائت وسابقه. فكيف كانت الحصيلة؟

لقد نجحت يد الإجرام والتآمر في تصفية ضحية أخرى ...متحدية كل مؤشرات التفاؤل والأماني والحسابات السياسية ...وأيضاً «القواسم الوطنية المشتركة» التي يبدو جلياً الآن أنها باطلة وكاذبة إلى أقصى الحدود.

فقد تبين بالواقع الملموس أن لا توافق عريضاً بين اللبنانيين يكفي للإبقاء على حكومة ...فكيف لبناء وطن؟ وليس بينهم الصراحة في التفاهم، ولا الرغبة الحقيقية بالتعايش ...من دون أن يكونوا أدوات ومشاريع فتن تتستر بمسميات محترمة على غرار «الثوابت القومية» والشرعيتين الدينية والدولية.

الاعتكافات داخل الحكومة، واللغة التي صاحبتها هجوماً وهجوماً مضاداً، تؤكد أن اللبنانيين لم يتعلموا او يتعظوا من كل ما حل بهم من ويلات على امتداد العقود الثلاثة الماضية، وأن البلد سواء شاء أهله أم أبوا سيبقى الطرف الأضعف في المعادلة الإقليمية.

واشنطن، كما اتصور، لا بد أنها تهضم الآن على مهل نتائج إصرارها على فرض «ديمقراطيتها» في المنطقة العربية على شعوب مغبونة وناقمة. ولعلها ستكتشف إن عاجلاً أو آجلاً أن التصويت الاعتراضي كان المتنفس الوحيد ...

كان الفرصة الأخيرة للتمرد على اليأس القاتل.

وأكثر من هذا وذاك توصيل رسالة بأن «المحاورين» المختارين لتولي «الحوار» بين عواصم القرار وشعوب المنطقة تتحمل عواقب نقص صدقيتهم العواصم التي عينتهم ورعتهم ...لا الشعوب التي فرضوا عليها.

تستحق الدراسة في واشنطن نتائج الانتخابات العامة في مصر حيث احتكر الإخوان المسلمون عملياً ملعب المعارضة على أنقاض المعارضة «الأليفة». وفي العراق حيث طوت الانتخابات تقريباً صفحة الليبرالية الساعية إلى جسر الهوة الطائفية والعرقية. وفي فلسطين حيث أسقط المواطن الفلسطيني المهدد برزقه وحياته كل يوم «حركة فتح» التي ظنت أنها تحمل في عصرها «السلمي» تفويضاً مطلقاً بمصيره ...مفضلاً عليها قوة لا تستطيع أن تحكم ولن تعرف كيف تحاور لكنها في أسوأ الحالات صادقة ونزيهة ...لن تكذب عليه ولن تتاجر بعواطفه وأحلامه.

تستحق الدراسة لأنها تكشف أن الإنسان الحر يعرف عموماً ما يريد، وإذا أخطأ الخيار فهو حر إلى حد يتيح له المحاسبة، أما الإنسان المكبل المحبط فحسبه الاعتراض.

ولنعد إلى لبنان، حيث الوجه الآخر للديمقراطية المفتعلة.

لبنان باقٍ ضحية لانقساماته، ولجيران لكل منه مشاكله وأطماعه ومبرراته للهروب إلى الأمام على حسابه. ولئن كان من غير الجائز أن يتعامل اللبنانيون مع كل من سورية وإسرائيل من أرضية واحدة، فمن غير المقبول اعتبار وجود خلاف مع اجتهادات النظام السوري «خيانة» تدخل في سياق «التآمر الأميركي على لبنان» ...وتبرر الحكم بالإعدام.

سيستفيد اللبنانيون كثيراً، وسيرتاحون أكثر، إذا ما اتفقوا على أن لا أحد يتدخل في شأنهم الداخلي ...مجاناً لوجه الله. وعلى أن للبنان الحق في أن يكون له دولة ولو كان بلداً عربياً لا لبس في هويته، وبالتالي في علاقاته المميزة مع سورية. وأخيراً وليس آخراً ... إذا سمح الحكم في دمشق للبنانيين بالتمييز بين سورية «العمق القومي» وسورية «الحكم» ولو كان هذا الأمر ممنوعاً على المواطنين السوريين.

فمن مصلحة سورية ومصلحة العروبة ألا يكفر لبناني واحد بعروبته بسبب أخطاء فادحة ترتكب في دمشق.