فايز سارة /السفير

آخر أخبار المقابر الجماعية العربية، كان خبراً عن اكتشاف مقبرة جماعية في محافظة عدن باليمن، ضمّت رفات عشرات من العسكريين اليمنيين قتلوا في معارك 1986 التي خاضها <<التقدميون اليمنيون>> في اطار صراعهم على السلطة، وقتل فيها أكثر من احد عشر الفاً بينهم كبار قادة الحزب الاشتراكي والدولة في اليمن الديمقراطي، التي اصبحت تالياً جزءاً من الجمهورية العربية اليمنية.

وقبل خبر المقبرة الجماعية اليمنية، كان جرى الكشف عن مقبرة جماعية في قرية عنجر شرق لبنان بالقرب من الحدود السورية، وهي المنطقة التي كان فيها المقرّ الرئيس لجهاز امن القوات السورية العاملة في لبنان، وقد ربط خبر الكشف عن هذه المقبرة بممارسات جهاز المخابرات السورية، والقول إنها كانت مسؤولة عن تلك المقبرة، التي كان بين رفاة المدفونين فيها نساء حوامل وأطفال صغار ورجال.

وقد استدعى الكشف اللبناني عن مقبرة قرية عنجر، فتح حديث عن مقابر جماعية كثيرة في تاريخ الحرب الاهلية اللبنانية ما بين 1975 و1990 وبعدها خاصة المقبرة الجماعية التي جرى الكشف عنها في وزارة الدفاع اللبناني، العام الماضي، وكانت جزءاً من تصفيات الحرب الاهلية، وتمهيداً للانتقال الى ما يسمّيه اللبنانيون ب<<السلم الاهلي>> المستند الى اتفاق الطائف.

والحديث عن المقابر الجماعية في البلدان العربية، يتجاوز اليمن ولبنان الى بلدان اخرى، وقد جرى الكشف عن مئات المقابر الجماعية الموروثة من عهد صدام حسين في العراق بعد سقوط النظام على يد المحتل الاميركي البريطاني عام 2003، وانكشف وجود هذه المقابر في مناطق جنوب ووسط العراق وشماله، وارتبط اغلبها باحداث وتطورات شهدها العراق في العقدين الأخيرين من عهد الدكتاتورية البعثية التي كان يتزعّمها صدام، وخاصة في فترة الصراع مع الاكراد في شمال العراق ومنها <<حملة الأنفال>> ومع الشيعة في الجنوب ولاسيما اثناء ما سُمّي ب<<الانتفاضة الشعبانية>> التي اعقبت الحرب الدولية على العراق عام 1991.

ورغم ان الحديث عن المقابر الجماعية في العراق، ارتبط بصورة عامة بزمن الدكتاتورية الصدامية، فإن السنوات الثلاث الماضية من وجود العراق تحت الاحتلال الاميركي، شهدت انكشاف امر العديد من المقابر الجماعية، التي غالباً ما جرى نسبها الى جماعات ارهابية، او انه لم يجر الكشف عن الجهات التي ارتكبتها، وجرت الاشارة مرات الى ان عمليات قتل ضحايا تلك المقابر، تمّت على خلفيات طائفية.

ولعل من البديهي القول، ان الحديث عن المقابر الجماعية في البلاد العربية، لايكمن تجاوزه دون الدخول على خط ممارسات إسرائيل حيال العرب، وقد بين تاريخ الحروب العربية الاسرائيلية قيام الاسرائيليين بدفن العرب من مدنيين وعسكريين في مقابر جماعية على نحو ما كشف عنه في مقابر جماعية أقامها الاسرائيليون في غزة اثناء حرب العام 1956، وأخرى ضمّت جنوداً مصريين في حرب العام 1967، وقد كادت تداعيات الأخيرة تسبب ازمة في العلاقات الاسرائيلية المصرية عندما جرى كشفها قبل سنوات.

وقد كررت اسرائيل عمليات التدمير الشامل لتجمعات سكانية فلسطينية في ازمان كثيرة منها السنوات الاولى لانتفاضة الأقصى على نحو ما حدث في نابلس وجنين ومخيم جنين، وخلفت في أكثر من موقع فلسطيني مقابر جماعية، ضمت اطفالاً ونساء وشيوخاً ورجالاً اغلبهم من المدنيين العزل الذين لم تتح لهم فرصة الخروج من دائرة القتل المحكم التي فرضتها قوات الاحتلال على الفلسطينيين في انحاء مختلفة من الضفة الغربية.

لقد كان العديد من البلدان العربية مثل سوريا والجزائر والسودان مسرحاً لعمليات قتل واسعة في فترات معينة كحال لبنان والعراق وفلسطين، وكان ذلك سبباً في إقامة مقابر جماعية، كٌشف النقاب عن بعضها، ومازال بعضها طي المجهول، ينتظر فرصة الظهور في ظروف مناسبة، وهو ما يعني، ان علينا ان ننتظر المزيد من ظهور المقابر الجماعية العربية.

وانتظار المزيد من المقابر الجماعية، لا يتعلّق فقط، بأن هناك مَن قام في الماضي بارتكاب مذابح ودفن ضحاياه بعيداً عن الاعين بصورة جماعية، ظهر بعضها وغيره سيظهر لاحقاً، بل لان الظروف التي قادت الى المذابح مازالت قائمة في معطياتها السياسية والامنية العسكرية، والذين قاموا بتلك المذابح من الدكتاتوريين والقتلة، ومن يشابههم ويماثلهم مازال مقيماً في حياتنا العربية، وليس هناك من يردعهم او يحاسبهم، ويضع حداً لتصرفاتهم في البلدان العربية أو من جانب المجتمع الدولي الذي مازال يغضّ النظر عن كثير من القتلة ومقابرهم الجماعية لاسباب تتصل بمصالح بعض المؤثرين في سياسات المجتمع الدولي.