د. أحمد أبو مطر/ايلاف

لم تظهر حتى الآن أية نتائج لزيارة الأمين العام للجامعة العربية لكل من دمشق وبيروت، عقب عملية إغتيال الصحفي والنائب اللبناني جبران تويني الإجرامية بكل معاني الكلمة، وليس من المتوقع أية نتائج إيجابية لهذه الزيارة التي هدفت إلى نزع فتيل التوتر بين البلدين المستمر منذ جريمة إغتيال رفيق الحريري في فبراير الماضي، وما أعقبها من إنتفاضة الشعب اللبناني في الخامس عشر من آذار التي كنست وأنهت الإحتلال البعثي السوري للبنان الذي إستمر ثلاثة عقود كاملة، محولا لبنان بكامله شعبا ووطنا مزرعة خلفية لفساده وجرائمه ونهبه. وليس من المتوقع ظهور نتائج إيجابية لصالح الشعب اللبناني من هذه الزبارة ومن كافة المحاولات العربية المماثلة، وذلك بسبب فساد وجمود الأسس التي قام عليها نظام العمل العربي المشرك منذ أربعينات القرن الماضي، بدليل أن هذا العمل العربي رغم مرور ستين عاما على إنشاء الجامعة العربية لم ينتج عنه قيام أي مشروع جماعي عربي في أي مجال من المجالات في حين أن العمل الأوربي المماثل يكاد يصل إلى الوحدة الكاملة رغم بدء التنسيق الأوربي متأخرا بما لا يقل عن ثلاثة عقود من تاريخ إنشاء الجامعة العربية. ويعود الفشل العربي الدائم أيضا إلى إستبدادية الأنظمة العربية جميعها مما يحول دون قدرتها على مواجهة بعضها البعض بالأخطاء والخطايا، وقد كان توافقها فقط على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي قطر، مما يعني عدم التدخل في شؤون أي نظام مهما بلغت جرائمه بحق شعبه، وأفضل دليل على ذلك جرائم النظامين البعثيين الصدامي في العراق والأسدي في سورية، وفي حالات عديدة خارج حدود القطر، وقف ويقف النظام الرسمي العربي متفرجا، ليس إهمالا منه ولكنه لأنه عاجز لا يستطيع فعل شيء، وأفضل مثال هو إحتلال البعث الصدامي لدولة الكويت عام 1980، إذ دعت الجامعة العربية لقمة عربية في القاهرة، أضاعت الوقت في مناقشات تافهة وشتائم بذيئة من ممثلي النظام الصدامي، وأنفضت بدون نتيجة أو حتى إدانة لإحتلال نظام عربي لدولة عربية. والسؤال الذي يكشف العجز العربي هو: لماذا لم تبادر الأنظمة العربية آنذاك في إنذار البعث الصدامي في إنهاء إحتلاله لدولة الكويت في مدة زمنية محددة وإلا ستبادر الجامعة العربية لتشكيل تحالف عسكري عربي، يتولى إنهاء الإحتلال بالقوة العسكرية؟؟. في حين عندما بادرت الولايات المتحدة لهذه الخطوة تسابقت الدول العربية لإرسال جيوشها بما فيها جيش النظام البعثي السوري للمشاركة مع جيوش التحالف الدولي في قتال جيش البعث الصدامي وإخراجه مهزوما مدحورا من دولة الكويت، ولولا جهود التحالف الدولي تلك لظلت دولة الكويت محتلة حتى هذه اللحظة وسط عجزالأنظمة العربية.

وتتكرر نفس الحالة الآن في المواجهة الدولية مع النظام البعثي السوري بعد مسلسل جرائمه في لبنان، فالأنظمة العربية تكتفي ببيانات الإدانة أو الدعم الشفوية التي لا تقدم حلا ولا تؤخر جريمة جديدة في لبنان، في حين أن النظام البعثي السوري لايهتم بالبند الخاص بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للأقطار الأخرى، ويستمر في العبث والتخريب في لبنان من خلال بقايا عملائه السوريين في لبنان ومساعديهم من العملاء اللبنانيين الذين زالت سطوتهم ونفوذهم مع خروج الإحتلال البعثي، وإلا ما معنى تغاضي الدول العربية وجامعتهم عن عدة مسائل تهم لبنان كدولة عربية مستقلة، ومنها:

أولا: لماذا تسكت الأنظمة العربية وجامعتها على الرفض البعثي السوري لترسيم الحدود مع لبنان؟ هل تقبل أية دولة عربية هذه الحالة مع جارتها العربية؟ فلماذا إستضعاف لبنان فقط والسكوت على الإستقواء البعثي السوري عليه؟ ومن ضمن هذا الملف موضوع مزارع شبعا التي إعترف وزير الخارجية السسوري فاروق الشرع منذ أسابيع بشكل عابر أنها لبنانية، فلماذا لايتم ترسيم الحدود رسميا وإبلاغ الأمم المتحدة بلبنانية مزارع شبعا، ليتمّ إعتمادها دوليا منطقة لبنانية محتلة، من حق لبنان المطالبة بإنسحاب الإحتلال الإسرائيلي منها، أو عندئذ من حق المقاومة اللبنانية القتال من أجل إنهاء الإحتلال، ومن المعروف أن إسرائيل تماطل في الإنسحاب منها مستغلة عدم الوضوح في هوية المزارع، هل هي لبنانبة كان ينبغي الإنسحاب منها في آيار من عام 2000 عندما إنسحبت من جنوب لبنان، ام هي سورية مرتبطة بموضوع إحتلال الجولان التي لم يطلق البعث السوري صاحب التوازن الإستراتيجي مع العدو طلقة واحدة من أجل تحريرها منذ عام 1967.

ثانيا: موضوع تبادل التمثيل الدبلوماسي مع لبنان المرفوض من البعث السوري، وهذا يعني عدم إعترافه بلبنان كدولة مستقلة !!. وهل تقبل دولة عربية هذا الوضع من أي دولة عربية أخرى؟. فلماذا السكوت على هذا الوضع بشأن لبنان بالذات؟. هل هو إستهانة بلبنان أم خوفا من البعث السوري؟ أم الإثنان معا؟؟!!.

ثالثا: موضوع الضغط اللاأخلاقي على لبنان من خلال إغلاق الحدود معه من حين إلى آخر، أو التذرع بتشديد الإجراءات لتعطيل حركة مرور البضائع والمسافرين اللبنانيين، مستغلا أن الحدود مع سورية هي المنفذ البري الوحيد للبنان، وهي نفس الإجراءات الإسرائيلية التي تعمد بمعاقبة الشعب الفلسطيني عقب أية عملية بإغلاق المعابر.

وكتنيجة لهذا السكوت العربي المخزي ، يستمر مسلسل جرائم البعث السوري في لبنان المادية المتمتلة في القتل والإغتيال التي لن يكون آخرها إغتيال الصحفي والنائب جبران تويني، والجرائم المعنوية رغم تفي القتلة البعثيين لها، وهي لا يمكن تأليفها لو لم تصدر عنهم، ومنها وصف فيصل المقداد ممثل البعث السوري في الأمم المتحدة للمغدور جبران تويني بالكلب، وقول وزير الإعلام البعثي مهدي فضل الله عن أسباب إغتيال جبران تويني (قد يكون جبران قد إستدان مالا ولم يسدده فقتلوه)..مستخفا بعملية الإغتيال الإجرامية...وقد قام البعثيان مهدي و فيصل بنفي هذه السخافات بعد أن شاهدا الرفض والإستهجان العالمي لهذه المواقف اللاأخلاقية، وهو إسلوب بعثي معروف: إرتكاب الجريمة ثم التنصل منها إن كان الشجب العالمي لها قويا. وهكذا فإن عدم وجود موقف عربي موحد ومعلن من الجرائم البعثية الصدامية سابقا والجرائم البعثية الأسدية حاليا، لن ينتج عنه سوى التدخل الأجنبي لكشف الجرائم ومعاقبة المجرمين. يقول المثل العربي (بيدي لا بيد عمرو !)...لكنّ الوضع العربي يجعل اليد العربية مشلولة وعاجزة..وبالتالي لا أمل إلا في يد (عمرو) أيا كانت جنسيته !