النهار/ سركيس نعوم

كان محقاً وزير العدل الدكتور شارل رزق عندما قال ان مضمون قرار مجلس الامن 1644كان اقل من توقعات البعض في لبنان واقل من خشية البعض الآخر. والمعنى الواضح والصريح لذلك هو ان الفئات اللبنانية التي كانت تتوقع قرارا دولياً اقسى من القرار 1636 واستجابة فورية من المنظمة الدولية للطلبين اللذين قدمتهما حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وهما الموافقة على انشاء محكمة ذات طابع دولي لمحاكمة المشتبه في ضلوعهم في اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتوسيع مهمة لجنة التحقيق الدولية لتشمل الجرائم التي وقعت في البلاد منذ محاولة اغتيال الوزير مروان حماده قبل اكثر من سنة — المعنى الواضح والصريح لكل ذلك هو ان الفئات المذكورة تخاف حصول تسوية او تفاهم بين المجتمع الدولي وسوريا يكون اما على حساب الحقيقة وتاليا العدالة في قتل الحريري واما على حساب الواقع الاستقلالي الجديد الذي بدأ يعيشه لبنان منذ اواخر نيسان الماضي وان نظريا. والمعنى الواضح والصريح لذلك ايضا هو ان الفئات اللبنانية التي كانت تخشى قرارا دوليا اقسى تخاف استشراس المجتمع الدولي ضد سوريا وحلفائها في لبنان الامر الذي يضعه في موقف بالغ الخطورة.

هل خوف البعض المشار اليه اعلاه من تسوية بين سوريا والمجتمع الدولي في محله؟

المعلومات الواردة على عدد من المصادر الديبلوماسية العربية والاجنبية تفيد ان احتمالات التسوية المذكورة قائمة. فعلى الصعيد الدولي لا تزال روسيا الاتحادية، وهي احد مالكي حق النقض في مجلس الامن، تطلب من سوريا بل تصر عليها التعاون كاملا مع لجنة التحقيق الدولية. لكنها بدأت تعطي اشارات معينة الى استعدادها للوقوف مع دمشق او بالاحرى التحذير من ان استهدافها يقوض الاستقرار في المنطقة. وهذا الاستقرار مطلوب لان البديل منه هو الفوضى والارهاب اللذان لن ينجو منهما احد. والصين الشعبية المالكة بدورها حق النقض في مجلس الامن قد يصب موقفها "السوري" مع الموقف الروسي. اما الدول العربية الاساسية طبعا فان انتقاداتها لسوريا واعتراضاتها على مواقفها اللبنانية كثيرة. لكنها تخشى في حال استمرار المواجهة بينها وبين المجتمع الدولي بزعامة اميركا ان ينتقل النموذج العراقي الى الاراضي السورية واللبنانية وربما الى المنطقة كلها. وتخشى ايضا سيطرة التيارات الاسلامية الاصولية على الساحة العربية واللبنانية وانعكاس ذلك عليها وعلى الانظمة الحاكمة فيها وعلى شعوبها والاستقرار الذي تنعم به هذه الشعوب.

وتفيد المعلومات نفسها ايضا ان الدول المذكورة اعلاه الساعية الى التهدئة بدأت العمل على ثلاثة خطوط. الاول، هو ضرورة المحافظة على لبنان السيد والمستقل ومساعدته على تجاوز محنه الكثيرة وتلافي تعرضه لمحن جديدة. والثاني، هو ضرورة تعاون سوريا مع لجنة التحقيق الدولية على نحو مقنع وبطريقة لا تضعها والمجتمع الدولي في مواجهة احدهما الاخر. والثالث، هو عدم الافساح في المجال كي تسود الفوضى في سوريا والمساعدة على تنقية الاجواء بين دمشق والعواصم الدولية المؤثرة وفي مقدمها واشنطن وباريس.

وتفيد المعلومات اياها ثالثا ان التسوية بين سوريا والمجتمع الدولي لن تضيع دم الرئيس الشهيد رفيق الحريري الغالي جدا ولن تجعله يذهب اهداراً . فهذا الدم ومع الاحترام الكامل لدماء كل شهداء لبنان ماضيا وحاضرا وربما مستقبلا. ومع التقدير لتضحيات كل الذين ضحوا لاستعادة لبنان السيد والمستقل والحر - هذا الدم اعاد لبنان الى اهله اواخر نيسان الماضي، وما كان احد منهم يحلم ان ذلك ممكن. وذلك يعني انه لم يذهب اهداراً وان احترام هذا الدم الشهيد والدماء الشهيدة الاخرى تقتضي من اصحابها ومن كل اللبنانيين العمل لتعزيز هذه العودة وتحصينها وذلك بوحدتهم وبالتفافهم حول وطنهم. وسيكون المجتمعان العربي والدولي مستعدين لمساعدتهم في ذلك.

هل يعني ذلك ان التسوية السورية – الدولية واستطرادا الاميركية صارت جاهزة؟

المعلومات نفسها المشار اليها اعلاه لا تؤكد ذلك. لكنها تشير الى وجود مفاوضات سورية واقليمية ودولية قد تكون مؤاتية للتسوية. وتشير الى مشاورات في هذا الموضوع تجرى بعيدا من الاضواء بين العواصم الكبرى الاقليمية والدولية. طبعا لا يزال هناك مناخ اميركي معاد لسوريا وخصوصا في مكتب نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني القريب جدا من رئيسه جورج بوش والبالغ التأثير عليه. لكن ذلك لم يغلق الباب امام البحث في تسوية ما وخصوصا في ظل اصرار العرب وعدد من الدول الكبرى. وفي اي حال فان نجاح المساعي للتوصل الى تسوية سورية – دولية (اميركية) يتوقف على امور كثيرة ابرزها وجود رغبة فعلية لدى اللبنانيين وسوريا في طي صفحة ماض اليم وحاضر اكثر ايلاما ومستقبل غامض مفتوح على مزيد من الدم وعدم الاستقرار ووجود رغبة فعلية لدى سوريا والمجتمع الدولي في ارساء اسس تفاهم دائم وثابت لا يكون على حساب الثوابت الوطنية والقومية لكل من لبنان وسوريا وغياب اي "اجندات" مضمرة عند احد لان من شأن ذلك ابقاء الشكوك المتبادلة والمخاوف.

طبعا قد لا تكون قلوب لبنانيين كثيرين مع تسوية كهذه لاعتبارات كثيرة لا داعي الى الخوض فيها. لكن عقول معظم اللبنانيين لا ترفضها ويجب الا ترفضها وخصوصا اذا كان فيها تثبيت لاستقلالهم الثاني الذي استحقوه بالدم.