السنيورة الى دمشق و"الشيعة" الى الحكومة والإعلام الى هدوء

صدى البلد ، جوني عبو

جاءت القمة المصرية ــ السورية المفاجئة التي شهدتها القاهرة أمس بين الرئيسين حسني مبارك وبشار الأسد في سياق الجهود التي تبذلها القاهرة بالتنسيق مع الرياض بشأن التحقيقات الجارية في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري والوضع في لبنان وسورية والعلاقة بين البلدين.

وقال وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط في مؤتمر صحافي مع نظيره السوري فاروق الشرع عقب لقاء مبارك ـ الأسد إن المباحثات بين الرئيسين تأتي في إطار المشاورات الدورية بينهما حول عدد من الموضوعات الإقليمية والثنائية، مؤكدا أنها تركزت حول "كيفية التعامل السوري مع قرار مجلس الأمن الدولي 1644 ونتائج تقرير لجنة التحقيق الدولية الأخير، وكيفية التقدم في بناء العلاقات السورية ــ اللبنانية، بما يحقق للجانبين علاقات قوية ومستقرة".

من جانبه اعتبر الشرع أن بلاده "ساهمت في تحسين المناخ السائد، ليس في سورية ولبنان فحسب، ولكن على مستوى المنطقة بوجه عام", وقال ان "تعامل دمشق مع لجنة التحقيق الدولية اخيرا قوبل بارتياح في سورية خصوصا، والمنطقة بوجه عام، وكذلك الساحة الدولية ... التقويم العام كان إيجابيا في طريقة التعامل هذه ... سورية ستواصل هذا النهج خلال الأسابيع القادمة، ولا حياد عن هذا الهدف".

وحول تعامل دمشق مع رئيس لجنة التحقيق الدولية الجديد في اغتيال الحريري قال الشرع: "نحن في سورية سنستمر في قرارنا بالتعاون مع اللجنة بجدية وبصورة بناءة وسنقدم للرئيس الجديد كل مساعدة ممكنة للوصول إلى الحقيقة ... نحن على استعداد لاستقباله بعد تعيينه رسميا ... ونحن لا نريد أن نستعيد ما جرى في التحقيق السابق من اتهامات وتزوير لشهود مغرضين لهم مصالح ضيقة في لبنان أدلوا بإفادات لا تخدم التحقيق والحقيقة ... والرئيس الجديد للجنة سيكتشف هذه الحقيقة قبل أن يصل إلى دمشق".

وسئل الشرع عن ترسيم الحدود بين لبنان وسورية فقال: "هناك نقاط اكثر اهمية واكثر الحاحا هي تحسين مناخ العلاقات بين البلدين في البداية", واضاف ان "رسم الحدود يجب ان يتم في مناخ سليم وصحيح واخوي الى حد كبير ونحن نعمل على هذا الامر"، نافيا أن تكون هناك خلافات بين شعبي البلدين، وقال إن "الشعبين ينتميان إلى أمة واحدة في نهاية الأمر أما الحملات الموجهة معظمها من الخارج للإساءة إلى العلاقات بين البلدين، وهناك أدوات داخلية تستغلها وتصعدها وتستخدمها بما يناسب رؤيتها الضيقة لمسائل سياسية محلية".

وأضاف: "نحن نتحمل هذه التصرفات والاتهامات، وسيأتي الوقت الذي يكتشف فيه أشقاؤنا في لبنان والشعب السوري والشعب العربي عموما أن هذه الاتهامات باطلة ولا تستند إلى أساس متين".

هذا واكدت مصادر سورية رفيعة المستوى ان القمة كانت ايجابية ومهدت الطريق للعمل على محاور عدة اهمها: وقف الحملات الاعلامية بين سورية ولبنان, البدء الفعال لحوار بين الحكومتين ينطلق مع زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة الى دمشق خلال الايام المقبلة, التعاون في المجالات الاقتصادية والاجتماعية بشكل فعال, البحث الجدي في محاسبة المسيئين الى العلاقات من البلدين في المرحلة السابقة والابتعاد عن الاساليب القديمة في التعاطي بين الحكومتين والشعبين, تفعيل دور المجلس الاعلى اللبناني ــ السوري ومعاهدة الاخوة والتنسيق, واخيرا التشاور السياسي في القضايا المصيرية التي تهم مصلحة البلدين.

وتوقعت مصادر عربية رفيعة المستوى في دمشق ان تمارس سورية دورا ضاغطا على حركة "أمل" و "حزب الله" للعودة الى الحكومة.

وفيما لم يعرف بعد مصير جلسة مجلس الوزراء غداً, مع ترجيح انعقادها في السراي, بدا رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة مطمئناً الى "أننا في النهاية محكومون بالتوافق" نافياً ان "نكون أمام أزمة حكم".

وأكد السنيورة أمام وفد نقابة المحررين "اننا جزء من بلد فيه تراث ودستور واذا أردنا تعديل هذا الدستور فمكان ذلك مجلس النواب".

وفي المقابل قال نائب أمين عام "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم: "ان من يظن اننا علقنا مشاركتنا في الحكومة من أجل موضوع المحكمة الدولية فقط لم يقرأ جيداً ما حصل قبل المحكمة الدولية مرات ومرات".

أضاف: "هذه الحكومة ارتكبت أخطاء قاتلة في إدارة البلد, وبدل ان تساهم في لملمة الشمل... ساهم بعض أركانها في بث جذور التحريض (...)".

وقال: "ربما آن الأوان ان نقترح على الحكومة بان يريحوا بعض السياسيين من العمل السياسي ويحولوهم الى قضاة بدل الجهاز القضائي الموجود عندنا في لبنان, لأن بعض السياسيين اليوم يفهمون بالأمن والقضاء والتحقيق والإدعاء والاقتصاد وبكل شيء, حتى باتوا يعلمون علم الغيب بمجرد ان تنفجر القنبلة يعلمون من صنعها, ومن مررها, ومن أعطى الأمر فيها, وكيف جمعت المعلومات بلحظة واحدة من دون أي وثيقة ومن دون أي اطلاع ومن دون أي دليل؟ اذا كان ميليس مع أكثر من مئة محقق وخبير دولي أعلن بعد ستة أشهر انه ما زال بحاجة الى وقت من أجل توجيه الاتهام لقضية واحدة, فكيف كان بإمكانهم ان يعرفوا كل خفايا الاغتيالات بدقائقها وتفاصيلها وسيناريواتها؟".

واستأنف الرئيس نبيه بري تحركه الحواري امس تحت ثلاثة عناوين هي "الحقيقة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما يتفرع عنها والقرار 1559 والعلاقة مع سورية".

وزار وفد يمثل بري كلا من البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير والرئيس امين الجميل، واعلن النائب علي حسن خليل باسم الوفد "ان النقاش مفتوح مع رئيس الحكومة حول الأمور التي دفعتنا الى تعليق المشاركة في الحكومة والابواب لم تقفل بعد وكل الخيارات مفتوحة حتى الخميس".

وفيما اعتبر النائب بطرس حرب, من اركان "14 آذار", بعد لقائه بري "اننا وبري على موجة واحدة" قال النائب سمير فرنجية الذي زار بكركي امس ان بري "هو الاداة الاساسية للحوار بين الاطراف اللبنانيين" وهو يقوم "بدور اساسي في الحوار مع "حزب الله".

اضاف لـ "فرانس برس" ان "الحوار مع "حزب الله" ليس صعبا" معتبرا ان "هناك توافقا داخليا حول القرار 1559".

وقال النائب السابق فارس سعيد اثر زيارته وفرنجية الى بكركي "ان تسليم اللبنانيين بمرجعية اتفاق الطائف هو نقطة الانطلاق لكل حوار".

الا ان مسؤول الاعلام المركزي في "حزب الله" محمد عفيف قال لـ "فرانس برس" ان "موقفنا لا يزال على حاله وهو الاستمرار في تعليق المشاركة في الحكومة حتى زوال الاسباب التي ادت اليه".

وبعدما انتقد اسلوب "الحوار والتفاوض والنقاش" لدى الحكومة تساءل "ما اذا كانت الغاية الحقيقية من كل ذلك قطع الطريق على الحوار والنقاش لاهداف مبيتة ومخفية".

ومساء امس قالت مصادر قريبة من رئيس مجلس النواب نبيه بري لـ "صدى البلد" ان الاتصالات لا تزال مستمرة لمعالجة موضوع عودة الوزراء الشيعة الى الحكومة، وتحدثت عن تسجيل "بعض التحسن" مساء امس في هذا الصدد، اذ يتولى بعض معاوني بري اتصالات مع رئيس كتلة "المستقبل" النائب سعد الحريري ومعاونيه.

وذكر ان احد الوسطاء الاصدقاء المشتركين زار المملكة العربية السعودية والتقى النائب الحريري، وينتظر ان تتبلور نتيجة مسعاه خلال الساعات الاربع والعشرين المقبلة.

وربط بعض المصادر المطلعة جانبا من المعالجة الجارية للأزمة الحكومية بالاتصالات المحلية والعربية الجارية لترتيب الاجواء اللبنانية السورية وازالة الشوائب الكبيرة التي تعتري العلاقة بين لبنان وسورية.

ونقلت هذه المصادر عن الرئيس بري تشديده على هذه العلاقة لانها مثابة "حبل السرة" بالنسبة الى لبنان. واكدت ان محادثات القمة السورية - المصرية امس وما تلاها من زيارة الدكتور رضوان السيد مستشار الرئيس السنيورة لمصر واستقبال الرئيس المصري حسني مبارك له ترتبط بمسعى مصري لانهاء التوتر الذي تشهده العلاقة اللبنانية - السورية.

وتحدث مصدر مقرب من حزب الله في تكتل "الوزراء الخمسة" عن "قرار انقلاب على الشراكة في هذه الحكومة، قامت به الأكثرية الوزارية التي تشكل أكثرية نسبية في مجلس النواب"، أضاف: "لو كان الوزراء السنة قد انسحبوا من الحكومة لكانت الحكومة قد استقالت كذلك الحال في حال استقال الوزراء الموارنة. لقد خرجت الطائفة الشيعية من السلطة التنفيذية، وها هي الحكومة تستمر في اجتماعاتها وكأن شيئاً لم يكن".

وتساءلت مصادر قريبة من تيار المستقبل حول موقف حركة أمل وحزب الله، وأبدت تخوفاً من ان يعكس هذا الموقف "محاكاة لإرادة سياسية خارجية تهدف الى زعزعة الأوضاع السياسية في موازاة المساعي المستمرة لأحداث اهتزازات أمنية".

وأشارت الى ان "الأطراف السياسية بدأت في تموضع جديد يقوم على إعادة تثبيت خيار 14 آذار سياسياً في مقابل تبلور تحالف مقابل يرتكز الى "أمل" و"حزب الله" ورئيس الجمهورية فضلاً عن العماد ميشال عون".

ورداً على سؤال حول البيان الذي صدر عن مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله محمد عفيف عن تسريب بعض ما تضمنه الحوار بين الرئيس فؤاد السنيورة والسيد حسن نصرالله قالت المصادر: "ليس صحيحاً ان ما تم تداوله كان من قبل لون واحد من الإعلاميين".

وسمت المصادر صحافيين في إعلام "حزب الله" تداولوا في ما تسرب عن اللقاء. وأضافت متسائلة: "هل كان عفيف يتوقع ان يتم الاتفاق على ان القرار 1559 قد نفذ لبنانياً بشكل سري ومن دون ان يعلم بذلك أحد، فضلاً عن ان الإقرار بذلك يتطلب موقفاً لبنانياً لا يختصره موقف الرئيس السنيورة أو السيد نصرالله ولا الاثنين معاً، بل لا بد من التشاور في شأنه مع كل القوى السياسية الممثلة في مجلس الوزراء في الحد الأدنى".

ونفت مصادر قريبة من تيار المستقبل ان تكون زيارة مستشار رئيس الحكومة رضوان السيد الى القاهرة ولقاؤه الرئيس حسني مبارك، مرتبطة بلقاء مبارك والرئيس بشار الأسد، وأشارت الى ان زيارة السيد كانت مقررة منذ فترة إثر زيارة النائب سعد الدين الحريري الى الرئيس مبارك.

وقد عاد السيد الى بيروت مساء أمس.