النهار/سمير منصور

في كل حديث عن مزارع شبعا المحتلة، يكرر المسؤولون والسياسيون اللبنانيون ان تأكيد سوريا لبنانية هذه المزارع يجب ان يكون خطيا لكي يتحول مستندا قانونيا في الأمم المتحدة، وهذه الخطوة من شأنها مساعدة لبنان على تحرير مزارع شبعا من الاحتلال الاسرائيلي سواء بتأكيد حق المقاومة التي تدافع عن أرض لبنانية او بدعم حق لبنان في مساعيه عبر الامم المتحدة ومجلس الامن لتحقيق الانسحاب الاسرائيلي منها.

واستنادا الى تأكيدات سورية متكررة للبنانية مزارع شبعا وكان آخرها قبل أكثر من شهر من وزير الخارجية فاروق الشرع لدى لقائه رئيس الحكومة فؤاد السنيورة على هامش القمة الاورو – متوسطية "يوروميد" في برشلونة وفي خطابه هناك، فان من المفترض ألا تشكل الخطوة التالية أي التأكيد الخطي، مشكلة بين لبنان وسوريا. ولا بد في يوم من الايام ان يصار الى ترسيم الحدود بعد تحريرهذه المزارع من الاحتلال الاسرائيلي، وهي جزء لا يتجزأ من الاراضي اللبنانية استنادا الى خط الحدود المرسوم قبل 82 عاما (1923) والى تأكيد موثق من الحكومة السورية قبل نحو 60 عاما (29 ايلول 1946) بموجب مستندات تضمنها ملف من لبنان الى الامانة العامة للأمم المتحدة في 15 ايار عام 2000 وقد نوقشت في لقاءات وفد منها برئاسة موفد الامين العام تيري رود – لارسن مع عدد من المسؤولين اللبنانيين وكانت بهدف "البحث مع الحكومة اللبنانية في تنفيذ القرار 425 من الجانب الاسرائيلي وفقا لمضمون رسالة تلقاها الامين العام كوفي أنان من الحكومة الاسرائيلية في ما يختص الانسحاب من لبنان". وقد اختصرت هذه المستندات في الملف الذي سلمه رئيس بعثة لبنان الى الامم المتحدة سليم تدمري مذيلا بتوقيع رئيس الحكومة وزير الخارجية عامذاك الرئيس سليم الحص. ومما جاء في الملف الذي أرفق بالخرائط والمستندات:

"خلال المناقشات مع موفد الامين العام وفريق الخبراء الذي يرافقه، أوضح لبنان ان مفهوم الحدود الدولية هو ذلك الذي ينطبق عليه خط الحدود المرسوم عام 1923، وقد كانت وجهات النظر متطابقة بين الجانب اللبناني ووفد الامم المتحدة حول هذه النقطة، إلا ان فروقا اخرى غاية في الاهمية بالنسبة الى لبنان قد برزت خلال النقاشات حول الجزء من الحدود الدولية المتعلق بمزارع شبعا. وللتعريف عنها بايجاز فان هذه المزارع تقع بين لبنان وسوريا في الجزء الشرقي للحدود اللبنانية، وهي تابعة تاريخيا للبنان وجزء لا يتجزأ منه وتضم حوالى 15 الف نسمة و1200 منزل بحسب النقاط والمستندات المعددة أدناه والتي جرى ابرازها لموفد الامين العام وفريقه وهي:

1 – ان سكان هذه المزارع جميعهم لبنانيون وينتخبون في لبنان (مستند رقم 1).

2 – ان جميع أراضي تلك المزارع تعود الى هؤلاء السكان بموجب سندات ملكية (Property Deeds) صادرة عن الجمهورية اللبنانية – محافظة الجنوب – دائرة صيدا العقارية. ومعلوم في العرف الدولي انه لا توجد دولة في العالم يحق لها إصدار سندات ملكية لأراض خارجة عن نطاق سيادتها. وقد أبرزت لموفد الامين العام مجموعة مستندات في هذا الصدد وسلم بعض منها الى السيد بينتر خبير خرائط الامم المتحدة. (مستند رقم 2)

3 – انه بالعودة ايضا الى بعض الوقائع التاريخية، فقد جرى تسليم موفد الأمين العام وفريقه نسخة عن حكم قضائي صادر عن المحكمة الشرعية للطائفة السنية في بيروت بتاريخ 31 آذار / مارس 1945، وفحواه امتلاك أراض ومقام النبي ابرهيم في احدى تلك المزارع المسماة مزرعة مشهد الطير. (مستند رقم 3).

4 – كما جرى تسليم وفد الامم المتحدة نسخة عن قرار مجلس الوزراء اللبناني المنعقد بتاريخ 16 كانون الثاني / يناير 1948 والذي يبلغ فيه المحكمة الشرعية أعلاه عدم صلاحيتها بامتلاك تلك الاراضي باعتبارها أملاكا أميرية تعود الى الدولة اللبنانية ولا يحق لمحكمة دينية امتلاكها دون ترخيص من الدولة مما يؤكد ان سيادة الدولة اللبنانية على تلك المنطقة تعود الى قبل عام 1945 (مستند رقم 4).

"ليست موضع نزاع"

"5 – باعتبار ان تلك الاراضي تقع بين لبنان وسوريا فقط وفي الجزء الشرقي من الحدود اللبنانية، ولما كان خط الحدود المعتمد خلال فترة الانتداب الفرنسي أغفل في تلك الفترة ذكر تبعية تلك المزارع بحيث ان ترسيم بعض الخرائط وضعها ضمن الاراضي السورية، مما اقتضى من الحكومة اللبنانية توجيه مذكرة الى الحكومة السورية في عام 1946 بهذا الشأن وكان جواب الحكومة السورية في حينه وبموجب المذكرة رقم ق 574 (124/53) تاريخ 29 ايلول / سبتمبر 1946 ان ما حصل هو خطأ فني بحت لم يكن يقصد منه تعديل الحدود او ادخال المزارع المذكورة في نطاق سوريا واستتبع ذلك تأليف لجنة لبنانية – سورية في عام 1949 برئاسة وزير الدفاع حينذاك الامير مجيد ارسلان واتفقت اللجنة على اعتبار مزارع شبعا جزءا من لبنان يحدها من الشرق الوادي المعروف بوادي العسل. وعلى هذا الاساس تملك الحكومة اللبنانية ايضا خرائط تعود الى عام 1966 وما قبله تشير الى كون وادي العسل هو الحد الشرقي. (مستند رقم 5).

وقد جرى ابراز المستندات للفريق التقني المرافق للسيد لارسن.

تجدر الاشارة الى ان اسرائيل ليست معنية بهذه المزارع او بأي نزاع حولها او ادعاء بملكيتها وخصوصا انها احتلت الجزء الاكبر منها عام 1967 خلال الحرب ثم احتلت الجزء الباقي لاحقا كما سيرد ذكره.

ويستدل مما تقدم بأن مزارع شبعا تعود الى لبنان وتقع بين لبنان وسوريا وهي ليست موضع نزاع بين البلدين، وبالتالي فانه لا يعود الى اية سلطة او مرجعية اخرى النظر فيها.

6 – بالاضافة الى ما تقدم، تجدر الاشارة الى ان اسرائيل قد باشرت احتلال تلك المزارع في حرب حزيران / يونيو 1967 فاحتلت في الخامس والعشرين منه خمس مزارع، وطردت أهاليها الى داخل لبنان بعدما دمرت حقولهم ومنازلهم. ثم ان اسرائيل وفي شهر نيسان / أبريل 1989 عادت واحتلت المزرعة الاخيرة في تلك البقعة وهي مزرعة بسطرة وطردت منها العائلات الثلاثين الموجودة فيها ثم ضمتها الى بقية المزارع. وتبين من ذلك ان اسرائيل قامت بقضم تلك الاراضي اللبنانية واحتلتها تباعا على مراحل منذ عام 1967 الى عام 1989.

بالاستناد الى ما تقدم يتبين بصورة مؤكدة لا تقبل التأويل ان مزارع شبعا هي لبنانية، ويشكل الانسحاب الاسرائيلي منها جزءا لا يتجزأ من تنفيذ القرار 425، وفي خلاف ذلك يكون هذا الانسحاب غير كامل وتنطبق عليه صفة اعادة الانتشار لقوات الاحتلال الاسرائيلي، مع ما يترتب عليه من نتائج، وليس الانسحاب الكامل من جميع الاراضي اللبنانية، بحسب ما ورد حرفيا في القرار".

هكذا إذا، يبدو واضحا وبما لا يرقى اليه الشك أن "مزارع شبعا تعود الى لبنان وتقع بين لبنان وسوريا وهي ليست موضع نزاع بين البلدين" وفق ما جاء في الرسالة – الملف الى الامانة العامة للأمم المتحدة . وعليه فان أي تأكيد جديد للبنانية مزارع شبعا سيكون مرة جديدة من باب "تأكيد المؤكد" وكذلك التأكيد السوري الخطي. وهذا لن يكون مستحيلا عندما تهدأ الامور وتنحسر الازمة التي تمر بها العلاقة اللبنانية – السورية، وكل ذلك بالطبع بعد الانسحاب الاسرائيلي منها، فالمشكلة في الاساس تكمن في احتلالها.