إيلاف/ نجوى نوفل

في التاسع عشر من الشهر الماضي خرج الاف الطلاب السوريين في مظاهرة صاخبة في دمشق، ونصب آخرون "خيمة وطن" للتعبير عن دعمهم للرئيس بشار الاسد ولاسناد موقف الحكومة ضد ما اسموه بـ"الهجمة الدولية" ضد سوريا. ورغم تعودنا على شعار "بالروح بالدم نفديك أياً كان"، فان المتظاهرين في دمشق خرجوا بشعار جديد هو"يا بشار لاتهتم وراك طلبة بتشرب دم".

والمقصود بـ"الهجمة الدولية" هو قرار مجلس الامن رقم"1636"، والذي جاء اساساً من منطلق حرص المجتمع الدولي على اطفاء حريق محتمل في المنطقة جراء تبعات اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، ولحث الحكومة السورية على التعاون مع لجنة التحقيق بشكل كامل والابتعاد عن التدخل في الشأن اللبناني.
ويبدو ان للموقف السوري الرسمي مؤيدين يتوزعون على فئات تشمل البعثيين والقوميين والشيوعيين وجمهرة من المواطنين الذين يرددون بشكل اوتوماتيكي ان تقرير ميليس "مسيس"، وانه جاء ليعطي حجة للتدخل في الشأن الداخلي لسوريا.

والشأن "الداخلي" في سوريا ليس من شأن المجتمع الدولي طبعاً، ولايحق للعرب ان "يتدخلوا" فيه رغم شعارات العروبة والقومية، كما لايسمح للسوريين انفسهم بالتعرض له لأنه شأن داخلي يقع ضمن صلاحيات السلطة وحزبها فحسب.

فالسلطة تتعامل مع تقرير ميليس وحيثياته وكأنها في لعبة جر الحبل، همها الوحيد ابعاد الشبهة عنها وحماية من يشتبه بعلاقتهم بالموضوع،.

اما الموضوع الداخلي الآخر الذي يجب عدم الاقتراب منه فهو ما يتعلق بسيطرة حزب البعث والفئة الحاكمة على مقدرات الشعب، دون الالتزام حتى بالوعود التي قطعها الرئيس بشار الاسد في بداية حكمه.
وفصل السطات الثلاث أمر غير وارد، اما حرية التعبير واستقلالية الاعلام والديمقراطية فهي مجرد محاولات "مشبوهة" لفرض قيم جديدة على المجتمع السوري الذي انعم عليه القدر بقادة تأريخيين لايسمعون غير كلمة نعم.

ولابد ايضا من الاشارة الى تعطيل منظمات المجتمع المدني وترهيب المعارضين وتضييق اي حيز لاجراء انتخابات نزيهة.

وممنوع ايضاً الحديث عن اخلاء السجون من معتقلي الرأي من معارضين سياسيين او تعويضهم ومحاسبة المسؤولين عن عمليات القتل والاختطاف والتعذيب. ناهيك عن انهاء حالة الطواريء ومنع اجهزة المخابرات من التدخل في حياة المواطنين وشؤونهم اليومية.

ومن المحرمات لدى السلطة واحزاب جبهتها ايضاًَ، الحديث عن وجود مشكلة كردية وضرورة التعامل معها بوضوح وحلها بروح المسؤولية التاريخية والاخاء المشترك، وتعويض الاكراد الذين سلبت منهم الجنسية السورية وصودرت املاكهم وضمان حقوقهم السياسية والادارية كاملة. وينطبق الشئ نفسه على الاقليات الدينية والقومية التي اضطر العديد من ابنائها الى الهجرة الى بلدان اخرى لتأمين حياة كريمة لهم ولاطفالهم.

أما الثروات والاموال المنهوبة التي تقدر بالمليارات والمودعة في البنوك الخارجية فهي شأن"داخلي" صرف لايخضع الى الرقابة او المحاسبة والمسائلة.

وتدعي السلطة ان المرأة تحظى بالمساواة، لكن الواقع يشير الى ان مساهمتها في العملية السياسية والهيئات القيادية في الدولة تبقى محدودة ومحصورة بالمقربات من القيادة واجهزتها.

وتشعر السلطة الحاكمة بالاهانة عند التأكيد على احترام العلاقة مع لبنان واستقلاليته، وايقاف
تدفق المتسللين والارهابيين الى العراق، واعادة الاموال والاسلحة والممتلكات التي تم تهريبها الى سوريا من قبل الموالين لصدام حسين الذي كان على الدوام معاديا لسوريا وشعبها.
وتحاول التملص من الضغوطات الخارجية التي تطالبها بالكف عن التدخل في الشأن الفلسطيني، وانما المساعدة في تنشيط عملية السلام وايقاف دعم المنظمات المتطرفة و تحديد نشاط قادتها.

وهنا لابد من التوقف عند جديد الموقف العربي من الشأن السوري، فقد اعلن قادة مجلس التعاون الخليجي في ابو ظبي عن ترحيبهم بإعلان سورية تعاونها مع قرار مجلس الأمن الأخير المتعلق باستكمال تحقيقات اللجنة الدولية في اغتيال رفيق الحريري. وتأكيد القادة العرب على ان تستمر سوريا في تعاونها مع اللجنة، ولم يعلن القادة طبعاً عن شجبهم لتقرير ميليس او لقرار الامم المتحدة.

الا يدل هذا على حكمة القادة الخليجيين وحرصهم وخاصة المملكة العربية السعودية على مساعدة الحكومة السورية للخروج من مأزقها والتصرف بواقعية وصواب، رغم انهم انزعجوا اكثر من غيرهم لمقتل مواطنهم رفيق الحريري؟

وعلى مايبدو فان المزاج الجماهيري في سوريا بدأ بالتغير، فبعد شهر من التظاهرة الطلابية التي اشرت اليها في بداية المقال، تظاهر طلاب في جامعة دمشق للتضامن مع حكومتهم مجددا، لكنهم لم يرددوا هذه المرة شعاراتهم التقليدية المملة، انما اكتفوا بالحديث عن "سوريا وبس" دون موالاة لإحد. الصحفي الذي اورد الخبر من دمشق اوضح ان المتظاهرين لم يحملوا صور الرئيس.

لابل ان بعض الطلبة بدأوا بالتساؤل عن الاسباب التي تدفع بالمجتمع الدولي لـ"معاقبة" سوريا بسبب جرائم ارتكبها بعض المسؤولين. وطبعاً يمكن ان نتوقع ان تتصاعد الاسئلة والاحتجاجات، وان تزداد مخاوف الطلاب والشباب من ان تجري معاقبة السوريين بشكل جماعي، وان يفرض عليهم الحصار الاقتصادي والعزلة الدبلوماسية بدلاً من محاسبة النظام ما سيضع الشعب السوري في مأزق اشد مما هو فيه الآن.
ومن المحتمل ايضاً ان تثار اسئلة جديدة عن مسؤولية النظام نفسه في دخول سوريا في نفق مسدود، وتضييعه لفرص متعددة لتعزيز موقع البلاد على المسرح الدولي. ومن المتوقع ان يتصدر الطلبة والشباب الذين وصلت معدلات البطالة في صفوفهم الى ارقام فلكية، أن يتصدروا عملية طرح هذه الاسئلة والبحث عن اجوبة لها وحلول تنقذ بلادهم من مخاطر تحدق بها.

وتتجلى بعض المخاطر التي يحاول النظام تغطيتها بمسرحية التعامل مع تقرير ميليس دون جدوى في اشتداد الصراع على مراكز النفوذ ومصادر الاموال على جميع المستويات الحزبية والامنية والحكومية. واتخذ الصراع طابع التصفية، وتكرار استبدال مسؤولي الأمن والاعلام.

ولابد هنا من الاشارة الى ضعف المعارضة العلنية في اوساط الشعب السوري، فهي معارضة صامتة، تريد الديمقراطية والانفتاح وقيام حالة سلام بين سورية وجميع دول الجوار. وبدأت بعض اشكال هذه المعارضة بالظهور احياناً في كتابات صحفية واعمال فنية سورية.
وتتجه المعارضة السورية في الداخل والخارج رغم الحذر الشديد في تعامل الاوساط الشعبية معها، تتجه الى تجميع صفوفها، في محاولة لوضع برنامج يتسم بالوضوح والواقعية لمستقبل ينعم فيه السوريون بالحرية والديمقراطية والسعادة.