البيان /جو غالواي

أطل وزير الدفاع دونالد رامسفيلد على الساحة في وقت سابق هذا الشهر لبرهة قصيرة أطلق فيها وابلاً من الانتقادات ضد الأشخاص الذين يجلبون الأنباء السيئة، ويريد رامسفيلد منا ان نصدق ان المشاكل في العراق كلها بسبب رسل الشؤم الذين لا يستطيعون التخلي عن منظورهم السلبي للأشياء.

وبعبارة أخرى اتهم هؤلاء المراسلين الصحافيين المزعجين، الذين ينزعون للتركيز أكثر من اللازم على الألغام والقنابل التي تمزق أجساد الجنود الاميركيين، وعلى المفجرين الأجانب، ناهيك عن القتلة الذين يغتالون الأعداء السياسيين في وضع النهار على طرق بغداد.

ويرد الوزير رامسفيلد ان يعرف لماذا لا يمضي هؤلاء المراسلون وقتاً أطول في الكتابة عن كل الأنباء السارة التي تحدث في العراق؟ ميلاد الديمقراطية كتابة الدستور الانتخابات البرلمانية. إعادة بناء بلد يرثى له والأرباح التي جناها المقاولون الاميركيون من جراء هذه العملية. إصلاح السجون في أبو غريب. توزيع كرات قدم للأولاد الصغار.

وايجاد صحافة في العراق من أجود ما يمكن شراؤه.

ولما سأل الأدميرال هاري فيلت مراسل «الأسوشيتدبرس» من الأيام الأولى لحرب فيتنام «لماذا لا تنضم الى فريقنا؟» بعد تلك الحادثة بفترة قصيرة، طلب الرئيس كنيدي من صحيفة «نيويورك تايمز» سحب مراسلها ديفيد هالبيرستام من جنوب فيتنام لأن قصصه الإخبارية عن شجاعة الجيش الفيتنامي الجنوبي كانت سلبية أكثر من اللازم.

ورفضت الصحيفة طلب الرئيس بأسلوب مهذب.

عندما تقرر إدارة بوش أن الوقت قد حان لتلفيق صورة جديدة للحرب، فإنها ترسل أولاً ديك تشيني ثم توأمه دونالد رامسفيلد لتمهيد الطريق لرئيسيهما. والرئيس بوش نفسه يلقي سلسلة من الخطابات حول الحاجة لوقوف الجميع بثبات والانتظار بصبر حتى تحقيق النصر الكامل في العراق.

ويصور هؤلاء أي شخص يعارض تخطيطهم السيئ وإدارتهم الرديئة لحرب لم تكن ضرورية أصلا بأنه غير وطني، وهم يشجبون أولئك الذين يطالبون بانسحاب فوري من العراق، مع انه ليس هناك من يقترح ذلك، علما بأن النائبين اللذين تستهدفهما الادارة في انتقاداتها وهما نانسي بيلوس وجون مورتا، كلاهما يطالب بانسحاب على مراحل.

وهذا بالضبط ما تشير مصادر من حكومة بوش نفسها الى انه سيحدث في 2006، وتشير مصادر في وزارة الدفاع رفضت الكشف عن هويتها الى ان المستوى الحالي للجنود الاميركيين في العراق، والذي رفع أخيراً الى 158 الفاً، سينخفض بسرعة الى المستوى السابق عند 138 الفاً، وبعد ذلك اذا لم يطرأ أي طارئ سوف يتم خفض العدد الى مابين 100 ألف و 110 آلاف قبل يوم الانتخابات النصفية للكونغرس في 2006.

لكن أغلب الظن ان بوش ومعاونيه سيفرون من العراق بين ليلة وضحاها لاعتبارات تافهة مثل المناخ السياسي لسنة الانتخابات والقيام بأي شيء في سبيل الاحتفاظ بسيطرة الأغلبية على الكونغرس، وبوسعكم التعويل على ان الجيش العراقي وقوت الأمن العراقية سيصبحان أفضل كفاءة بكثير من الآن وحتى الخريف المقبل بحيث يمكن تسليم السلطة لهم قبل مغادرة العراق.

وهذا يعيدنا الى موضوع الصحافة سواء في فيتنام أو في العراق، فإن عملنا كان دائماً ولا يزال هو طرح الأسئلة الصعبة حول الحرب، لمحاولة تسليط بعض الضوء على الزوايا المظلمة، وقول الحقيقة مهما كانت تلك الحقيقة مزعجة ومحبطة لأولئك الذين لا تروق لهم سوى الأنباء السارة، والذين يتمنون لو أننا نوافق على الانضمام الى فريقهم.

ولقد قتل من الصحافيين في حرب العراق خلال 33 شهراً أكثر مما قتل في حرب فيتنام خلال عشر سنوات، والصحافيون في العراق يسلكون أخطر الطرق في العالم اليوم ويخاطرون بأرواحهم يومياً للقيام بعملهم، ومن المؤكد انهم ليسوا بحاجة الى نصيحة دونالد رامسفيلد حول كيفية القيام بعملهم.

ولو قام رامسفيلد ورؤساؤه بعملهم كزعماء في زمن الحرب خلال العامين الفائتين، بنصف الكفاءة التي يعمل بها الصحافيون، لربما كانت هناك أنباء سارة أكثر بكثير ليصورها ويكتب عنها الصحافيون في العراق.