الشرق القطرية /رضي السماك

تعرف الأنظمة الشمولية وزعاماتها الخالدة التي لا تترك الحكم إلا الى القبر بولعها المهووس لاثبات ان «كل» وليس «جل» من يحق لهم الانتخاب قد شاركوا في شتى عمليات الانتخابات من انتخابات بلدية الى انتخابات تشريعية الى انتخابات رئاسية الى استفتاءات مختلفة حول اي قرار او قضية او مشروع يطرحه زعيم النظام الشمولي الحاكم للاستفتاء. وكان الرئيس المصري الراحل انور السادات هو اشهر رؤساء الانظمة الشمولية العربية الذي عرف بولعه باعلان نسبة تقترب من 100% مؤيدة لانتخابه هي 99.9% حتى ظل لسنوات طويلة يضرب به المثل والتندر على هذه النسبة التي لا تعرف معارضين ولا ادنى نسبة من المغيبين عن المشاركة في الانتخابات حتى استطاع ان يسدد له الرئيس العراقي المخلوع ضربة ساحقة قبل بضع سنوات قليلة من سقوط نظامه بأن جاءت نسبة المصوتين لانتخاب رئيس للجمهورية 100%.

وأخيراً ها هو النظام الجزائري الذي ما برح يواجه ازمة داخلية طاحنة تعصف بالدولة والمجتمع يثير جدلا حول مدى حقيقة فوز «ميثاق السلم والمصالحة الوطنية» بنسبة 97.4% من اصوات المشاركين في الاستفتاء الذي اقترحه الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لهذا الغرض وقدرت نسبة المشاركين في الاستفتاء بـ 80% ممن يحق لهم التصويت.

لكن الى اي مدى يمكن ان تعبر نسبة المشاركة في العملية الانتخابية عن ديمقراطية النظام الحاكم في اي دولة؟ بعبارة اخرى للسؤال: هل نسبة المشاركة صعودا ام هبوطا هي في مطلق الاحوال مؤشر على ديمقراطية النظام السياسي؟!

في الواقع ان عملية اقبال الناخبين في عالم اليوم حتى في أعرق الانظمة الديمقراطية باتت تخضع لمتغيرات عديدة فاذا هي في انظمة العالم الثالث تتأثر في الغالب من الاحباط من سقف الاصلاحات ونزاهة العملية الانتخابية وفي بعض الاحايين لاحباط الناخبين من وجوه المعارضة وشعاراتهم، فانها في الديمقراطيات الغربية باتت تتأثرليس بضعف الثقة في آليات النظام الديمقراطي ونزاهته بل بتراجع اهتمام الناس بالسياسة وتركز اهتمامهم على القضايا المعيشية والاقتصادية والاجتماعية المباشرة بمعزل عن بعدها السياسي.

كما ان ضعف الولاء الحزبي للاحزاب الكبيرة البارزة يلعب دورا في عدم اكتراث الناس بالعملية الانتخابية. وعلى سبيل المثال لم يصوت كل الناخبين المعروفين بولائهم للحزب الجمهوري لصالح بوش ولم يصوت كل الناخبين المعروفين بولائهم للحزب الديمقراطي لجون كيري.

ولئن كانت نسبة الـ 23% حسب التقديرات الرسمية المعلنة التي اعترفت بها الحكومة المصرية من الذين شاركوا في الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس حسنى مبارك هي ادنى نسبة مشاركة في الانتخابات العربية تؤشر لضعف ثقة الناخبين في نزاهة وحياد آليات النظام الديمقراطي المصري القائم، فان ايطاليا تمتعت بأعلى نسبة تصويت ما بين 140 دولة اذ جاء متوسط نسب المشاركة فيها في كل انتخاباتها على مدى نصف قرن ونيف (1945 - 1998) 92.5%، وذلك طبقا لدراسة مقارنة اجراها المعهد الدولي للديمقراطية اما ادنى نسبة تصويت (21%) فقد احرزتها مالي. وبين الدول العشر التي جاءت في ذيل القائمة ثمة خمس دول عربية هي مصر واليمن والاردن والسودان وجيبوتي.

وقد بددت الدراسة الاعتقاد السائد بارتباط تدني نسبة التصويت بالامية في العالم الثالث. ولئن كان عقد الثمانينيات هو الافضل في ارتفاع نسبة التصويت في الانتخابات العالمية حيث وصلت الى 68% فان عقد التسعينيات سجل كبداية للتراجع المتسارع في نسب المشاركين حيص وصل الى 64% في المتوسط.

واذا كان تدني نسبة المشاركين في مختلف انواع الانتخابات تلعب فيه عوامل عديدة وليست مقياسا على اليأس من آليات النظام الديمقراطي بالدول الديمقراطية الغربية فانه يبقى تدنى هذه النسبة في البلدان العربية الحديثة في تجاربها الديمقراطية مؤشرا لا تخطئه العين في مدى وثوق الناخبين في شفافية ومصداقية آليات النظام الديمقراطي ومدى الارتهان اليها لاحداث التغيير.