عادي داغان/معاريف

فور وقوع العملية التفجيرية في نتانيا، كما في أعقاب جميع العمليات السابقة، جرى النقاش الدائم حول الجدار الفاصل أو جدار الأمن كما يٌطلق عليه في الآونة الأخيرة. لكن حصول هذا النقاش ذي طابع رمزي بشكل خاص، ذلك أنه يرمز إلى الدواء السحري لمشاكل الأمن مع تجاهل طابع تنفيذ فانتازيا الفصل النقية بيننا وبين الفلسطينيين. فقد حان الوقت الذي يتعين فيه إجراء نقاش شامل حول الجدار الفاصل حتى بعد حصول العمليات. فلا يُعقل أن يختفي فجأة عن الوعي مسائل مثل الالتماسات المقدمة إلى المحكمة العليا والتظاهرات في بعلين والضغط الأميركي، كما لو إنه ليس ثمة صلة بين هذه المسائل وبين جدار الأمن السحري. فلو أن الجدار كان أميناً فقط لكان بُني منذ زمن. لكن بما أنه ثمة أهداف أُخرى للجدار، فإن بناءه يتلكأ.

في الحكمين الصادرين عن المحكمة العليا بخصوص مسار الجدار في منطقة بيت سوريك والمسار حول مستوطنة ألفيه منشيه، أمرت المحكمة بايجاد مسار بديل انطلاقاً من ادراكها أن الجدار يضم أراضي دون أن تكون لذلك ضرورة أمنية. هذه الفتاوى لم تمنع الدولة من مواصلة التخطيط لضم أراض على مستوى كبير جداً حول معاليه أدوميم وفي منطقة موديعين عيليت، أريئل وغيرها. فالدولة تواصل التخطيط وبناء جدار متعرج، وأطول بمرتين من الخط الأخضر، بكلفة تصل إلى نحو 10 مليون شيقل للكيلومتر الواحد.

في القدس، اعترفت الدولة نفسها أمام المحكمة العليا أنّ ثمة انعكاسات سياسة للجدار، وإنها هي التي تبلور في الواقع تحديد المسار. ومجرد القرار باحاطة شرقي القدس بجدار، وفصلها عن سائر الضفة وفصل نحو ربع مليون فلسطيني عن اخوتهم في الضفة، هو قرار سياسي صرف. ومن الزاوية الأمنية تحديداً، تبدو فكرة سجن وعزل أحياء فلسطينية في شرقي القدس، كوصفة مضمونة للتدهور الأمني.

لكن المفارقة الكبرى تكمن في مقارنة الجدار الفاصل في الضفة مع السياج حول غزة. ذلك أن عشرات آلاف المستوطنين شرقي الجدار، ربع مليون فلسطيني غربي الجدار، والارتباط الاقتصادي الضخم للفلسطينيين بالبضائع القادمة من اسرائيل، كل هذه الأمور لا تسمح بفصل تام، وفق صيغة "نحن هنا وهم هناك".

من خلال سلوك الدولة في قضية الجدار يمكن الاستنتاج أنها تتحلى بالصبر. ذلك أنّ الأمر يتعلق بهدف كبير جداً وهو تحديد الحدود السياسية بشكل أحادي الجانب. فالخطة السياسية لشارون آخذة في التشكل والتبلور من دون الجلوس ليوم واحد من المفاوضات مقابل السلطة الفلسطينية، ومن دون حاجة لتقديم خطته للناخبين. فاسرائيل تضم بحكم الأمرالواقع الكتل الاستيطانية وشرقي القدس، وتترك الفلسطينيين في الضفة مع بعض المناطق غير المتصلة ببعضها البعض. واذا ما فهمنا هذه الخطوة كما هي، وهي خطوة دراماتيكية وتاريخية جداً لجهة تحديد الحدود الشرقية، نرى انها تتم بسرعة فائقة ومن دون عرقلة نسبياً. وهي تتم من دون حصول أي نقاش جماهيري ـ سياسي حقيقي حول مسألة ضم الكتل الاستيطانية،ولا يوجد نقاش حول إحاطة شرقي القدس بجدار، على الرغم من أننا جميعاً سندفع ثمن الانعكاسات السياسية لهذا الضم، عندما يتبين أنها دفنت نهائياً كل فرصة لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة.