موشيه عميراف/هآرتس

ما قال رئيس الحكومة اريئيل شارون إنه يعتزم تقسيم القدس، لكن من المحتمل أنه يفكر في ذلك بين فترة وأخرى.

إذا فحص شارون أهداف اسرائيل القومية في القدس واحداً تلو الآخر، فإنه سيتوصل الى استنتاج مفاده أن أياً منها لم يتحقق. أول هذه الأهداف هو الديموغرافيا: الوعد بالحفاظ على السيطرة اليهودية في المدينة. تتطلع الحكومة الى انشاء مدينة ذات طابع أحادي القومية تكون فيها أغلبية يهودية بنسبة 80 ـ 90 في المائة لم يتحقق، وبالامكان مشاهدة التآكل التدريجي في الأغلبية اليهودية التي تقارب اليوم 67 في المائة فقط.

الهدف الثاني كان الهدف الاقليمي الذي يسعى للسيطرة، بواسطة إقامة أحياء يهودية، على المساحة البالغة 30 كيلومتراً التي يتكون منها شرقي المدينة، وبالتالي فصل هذا الجزء من المدينة عن المتروبول العربي. هذا الهدف لم يتحقق هو الآخر: الأحياء اليهودية موزعة اليوم على ثلث مساحة شرقي المدينة فقط، الثلثان الآخران فتوجد عليهما مجموعة سكانية عربية تشكل الأغلبية على الأرض. كذلك لم ينجح عزل المدينة عن مجالها البلدي. لا بل ان العكس هو الذي حدث ـ شرقي المدينة اتصل من الناحية الحضرية مع الضفة الغربية وتحول الى عاصمتها السياسية والاقتصادية والثقافية.

الهدف الثالث كان سياسياً: كسب الشرعية الدولية والحصول على موافقة السكان العرب في المدينة على حكم اسرائيل في شرق القدس. بعد 35 سنة من الجهود الديبلوماسية تظهر نتيجة مخيبة للآمال: ثلاث دول فقط من بين 130 دولة عضو في الأمم المتحدة اعترفت بسيادة اسرائيل على شرقي المدينة.

تقدير النتائج السياسية في القدس دفع في السنوات الأخيرة بباحثين في مجال السياسات العامة الى تقديم توصية لأصحاب القرار السياسي بتدارس أفكار جديدة مثل تغيير السياسة الاسرائيلية المتبعة منذ عام 1967. لم تكن هناك حكومة مستعدة للاقدام على ذلك حتى عام 2000.

كاتب هذه السطور اقترح منذ أواخر الثمانينات عندما كان عضواً في مجلس بلدية القدس، بديلاً يرتكز على مبادلة الأراضي وإقامة بنيتين تحتيتين بلديتين لضمان تشغيل مدينتين ـ القدس في الشرق وأورشليم في الغرب. اسرائيل تقوم من خلال هذه التسوية بنقل الأحياء العربية للقدس والتي يبلغ تعداد سكانها 200 ألف نسمة وتضم في المقابل التجمعات اليهودية مثل جفعات زئيف ومعاليه أدوميم إليها. أما البلدة القديمة الهامة للشعبين فتبقى تحت إدارة نظام خاص مشترك للدولتين، فلسطين واسرائيل. هذا البديل طوره كاتب هذه السطور إبان تولي منصب مستشار لايهود باراك لشؤون القدس خلال مفاوضات كامب ديفيد، وارتكز عليه في الواقع الاقتراح الاسرائيلي في قضية القدس والذي قبل بأغلبيته على الفلسطينيين.

وفي المجال الثقافي: في السنوات الأخيرة تفقد القدس بصورة متزايدة طابعها الصهيوني والقومي: الحريديم غير الصهاينة والعرب تحولوا منذ عدة سنوات الى أغلبية فيها. الصيرورات السياسية تؤدي الى تقليص المركز السياسي ـ الصهيوني وتعزيز الهامشيين ـ الحريديم. في الانتخابات الأخيرة احتلوا كل مراكز القوة السياسية في المدينة، بما في ذلك رئاسة البلدية. وكل الحقائب الهامة موجودة في أيديهم. جماعة الحريرديم لا تخفي هدفها بتحويل القدس الى "مدينة مقدّسة" متحررة من تأثير اسرائيل العلمانية.

السيناريو السياسي: نسبة تزايد عرب المدينة تبلغ اليوم 3.5 في المائة سنوياً، بينما تبلغ زيادة اليهود فيها 1.5 في المائة. استمرار الميول الديموغرافية الحالية سيؤدي الى وجود أغلبية عربية في القدس خلال 25 سنة. عملياً، بإمكان العرب في المدينة أن يتحولوا الى الحزب الحاكم في القدس في الانتخابات القادمة وتنصيب رئيس بلدية عربي لها. قيام الأقلية العربية في المدينة بالتصويت بصورة منتظمة يمكنه أن يوفر لها أغلبية أكثر من 50 في المائة في الجلس البلدي في عام 2008.